الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

قوله : { فَتُثِيرُ } : عَطْفٌ على " أَرْسَلَ " ؛ لأنَّ أَرْسَلَ بمعنى المستقبل ، فلذلك عَطَفَ عليه ، وأتى بأَرْسَلَ لتحقُّقِ وقوعِه و " تُثير " لتصوُّرِ الحالِ واستحضارِ الصورة البديعةِ كقوله : { أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً } [ الحج : 63 ] كقول تأَبَّط شرَّاً :

3761 ألا مَنْ مُبْلِغٌ فِتْيانَ فَهْمٍ *** بما لاقَيْتُ عند رَحا بِطانِ

بأنِّي قد لَقِيْتُ الغُوْلَ تَهْوِيْ *** بسَهْبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحانِ

فقلت لها : كِلانا نَضْوُ أرضٍ *** أخو سَفَرٍ فَخَلِّي لي مكانِي

فشَدَّتْ شَدَّةً نَحْوي فأهْوَتْ *** لها كَفِّي بمَصْقولٍ يَمانِ

فأَضْرِبُها بلا دَهْشٍ فَخَرَّتْ *** صَريعاً لليدَيْن وللجِرانِ

حيث قال : فَأَضْرِبُها ليصَوِّرَ لقومِه حالَه وشجاعتَه وجرأتَه .

وقوله : " فَسُقْناه " و " أَحْيَيْنا " مَعْدولاً بهما عن لفظِ الغيبة إلى ما هو أَدْخَلُ في الاختصاصِ وأَدَلُّ عليه .

قوله : " كذلك النُّشورُ " مبتدأٌ ، وخبرُه مقدَّمٌ عليه ، والإِشارةُ إلى إحياءِ الأرضِ بالمطرِ ، والتشبيهُ واضحٌ بليغٌ .