فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، ليتفكروا في ذلك ، وليعتبروا به ، فقال : { والله الذى أَرْسَلَ الرياح } قرأ الجمهور : { الرياح } ، وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ( الريح ) بالإفراد { فَتُثِيرُ سحابا } جاء بالمضارع بعد الماضي استحضاراً للصورة ، لأن ذلك أدخل في اعتبار المعتبرين ، ومعنى كونها : تثير السحاب أنها تزعجه من حيث هو { فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيّتٍ } قال أبو عبيدة : سبيله فتسوقه ، لأنه قال : { فتثير سحاباً } . قيل : النكتة في التعبير بالماضيين بعد المضارع : الدلالة على التحقق . قال المبرد : ميت وميّت واحد ، وقال : هذا قول البصريين ، وأنشد :

ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء

{ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض } أي أحيينا بالمطر الأرض بإنبات ما ينبت فيها ، وإن لم يتقدّم ذكر المطر ، فالسحاب يدل عليه ، أو أحيينا بالسحاب ، لأنه سبب المطر { بَعْدَ مَوْتِهَا } أي بعد يبسها ، استعار الإحياء للنبات ، والموت لليبس { كَذَلِكَ النشور } أي كذلك يحيي الله العباد بعد موتهم كما أحيا الأرض بعد موتها ، والنشور : البعث ، من نشر الإنسان نشوراً ، والكاف في محل رفع على الخيرية ، أي : مثل إحياء موات الأرض إحياء الأموات ، فكيف تنكرونه ، وقد شاهدتم غير مرّة ما هو مثله وشبيه به ؟

/خ14