ثم عاد إلى البيان وقال : { الله الذي أَرْسَلَ الرياح } وهبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار ، لأن الهواء قد يسكن وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين وقد يتحرك إلى الشمال وفي حركاته المخلتفة قد يُنْشِئ السَّحَابَ وقد لا يُنْشِئُ .
فهذه الاختلافات دليل على مسخَّرٍ مدبِّرٍ مُؤَثِّر مُقَدِّرٍ{[45080]} .
قوله : { فَتُثِرُ } عطف على «أرْسَلَ » لأن «أرْسَلَ » بمعنى المستقبل فلذلك عطف عليه وأتى بأرْسَلَ لِتَحقُّقِ وقوعه . و «تثيرُ » لتصور الحال واستحضار الصورة البديعة كقوله : { أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً } [ الحج : 63 ] وكقول تَأبَّط شَرًّا :
4154- ألاَ مَنْ مُبْلِغٌ فِتْيَانَ فَهْمٍ . . . بِمَا لاَقَيْتُ عِنْدَ رَحَا مَطَانِ
بأنِّي قد رأيت الغول تَهْوِي . . . بِسَهْبٍ كالصَّحِيفَةِ صَحْصَحَانِ
فَقُلْتُ لَهَا كِلاَنَا نِضْوُ أرْضٍ . . . أَخُو سَفَرٍ فخل لِي مَكَانِي
فَشَدَّتْ شَدَّةً نَحْوِي فَأَهْوَتْ . . . لَهَا كَفِّي بمصقول يَمَانِي
فَأَضْرِبُهَا بِلاَ دَهَشٍ فَخَرَّتْ . . . صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ ولِلْجِرَانِ{[45081]}
حيث قال : «فأضربها » ليصور لقومه حاله وشجاعته وجرأته وقوله : «فَسُقْنَاهُ و أَحْيَيْنَا » معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدْخَلُ في الاختصاص وأدلّ عليه{[45082]} .
قال : أرسل بلفظ الماضي وقال : { فَتُثِيرُ سَحَاباً } بلفظ المستقبل ، لأنه لما أُسند فعل الإرسال إلى الله وما يفعله يكون بقوله كن فلا يبقى في العدم لا زماناً ولا جزءاً من الزَّمان فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان ، ولأنه فرغ{[45083]} من كل شيء فهو قدّر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة . ولما أسند فعل الإشارة إلى الريح وهي{[45084]} تؤلَف في زمان فقال : تُثِيرُ أي على هيئتها وقال : «سُقْنَا » أسند الفعل إلى المتلكم وكذلك في قوله : «فَأحْيَيْنَا » لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ثم لما عرف قال : أنا الذي بَعَثْتُ{[45085]} السَّحَاب وأحْيَيْتُ الأَرْضَ . ففي الأول كان تعريفاً بالفعل العجيب وفي الثاني : كان تذكيراً بالنعمة فإن كمال نعمة الرياح والسحاب بالسَّوْقِ والإحياء وقوله : «سُقْنَا وَأَحْيَيْنَا » بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرنا من الفرق بين قوله : «أرسل » وبين قوله : «تثير » ثم قال : «كَذَلِكَ النُّشُورُ » أي من القبور ووجه التشبيه من وجوه :
أحدها : أن الأرض الميتة لما وصلت{[45086]} الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة .
وثانيها : كما أن الريح تجمع القِطَعَ السحابية كذلك نجمع أجزاء الأعطاء وأبعَاضَ الأشياء .
وثالثها : كما أنَّا نسوق الرِّيح والسحاب إلى البلد كذلك نسوق الرُّوحَ إلى الجسد الميِّت .
فإن قيل : ما الحكمة في هذه الآية من بين الآيات مع أن الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد ؟
فالجواب : أنه تعالى لما ذكر أنه فاطر السماوات والأرض وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله : «جَاعِلِ الملائكة رسلاً أولي أجنحة » ذكر من الأمور الأرضية الرِّياحَ{[45087]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.