{ فمن يعمل مثقال ذرة } وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل . { خيراً يره . }
{ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدنيا إلا أراه الله له يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فيرى حسناته ويعذب بسيئاته . قال محمد بن كعب في الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، { ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه }( الدهر-8 ) كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، يقول : ما هذا بشيء ، إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس هذا بإثم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم عند الله من الجبال يوم القيامة ، وجميع محاسنه أقل من كل شيء . قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال : " ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } " . وتصدق عمر ابن الخطاب وعائشة بحبة عنب ، وقالا : فيها مثاقيل كثيرة .
ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها .
( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . .
ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة . . .
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الإسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها !
فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . .
عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله إرتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل !
إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض . . إلا في القلب المؤمن . .
القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر . . . وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر . . ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال . .
إنها قلوب عتلة في الأرض ، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب ! !
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } تفصيل ليروا ، ولذلك قرئ ( يره ) بالضم ، وقرأ هشام بإسكان الهاء ، ولعل حسنة الكافر وسيئة المجتنب عن الكبائر تؤثران في نقص الثواب والعقاب . وقيل : الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة ، أو من الأولى مخصوصة بالسعداء ، والثانية بالأشقياء ، لقوله : أشتاتا ، والذرة النملة الصغيرة ، أو الهباء .
ثم أخبر تعالى أنه من عمل عملاً رآه قليلاً كان أو كثيراً ، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل ، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، ومنه قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف }{[11938]} [ الإسراء : 23 ] ، وهذا كثير ، وقال ابن عباس وبعض المفسرين : رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة ، وذلك لازم من لفظ السورة وسردها ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً ؛ لأن خيره قد عجل له في الدنيا ، وكذلك المؤمن أيضاً تعجل له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين { مثقال ذرة } من خير أو شر رآه ، ويخرج من ذلك أن لا يرى الكافر خيراً في الآخرة ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قلت يا رسول الله : أرأيت ما كان عبد الله بن جدعان يفعله من البر وصلة الرحم وإطعام الطعام ، ألَهُ في ذلك أجر ؟ قال : «لا ؛ لأنه لم يقل قط : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين{[11939]} » ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمي هذه الآية الجامعة الفادة ، وقد نص على ذلك حين سئل عن الحمر ، الحديث{[11940]} ، وأعطى سعد بن أبي وقاص سائلاً ثمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال له سعد : ما هذا ؟ إن الله تعالى قبل منا مثاقيل الذر ، وفعلت نحو هذا عائشة في حبة عنب ، وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : حسبي ، لا أبالي أن لا أسمع غيرها{[11941]} ، وسمعها رجل عند الحسن ، فقال : انتهت الموعظة ، فقال الحسن : فقه الرجل . وقرأ هشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «يره » ، بسكون الهاء في الأولى والأخيرة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع فيما روى عنه ورش والحلواني عن قالون عنه في الأولى «يرهو » وأما الآخرة فإنه سكون وقف ، وأما من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفف أمثال هذا ومنه قول الشاعر :
ومطواي مشتاقان له أرقان{[11942]}
وهذه لغة لم يحكها سيبويه ؛ لكن حكاها الأخفش ، وقرأ أبو عمرو وحده بضم الهاء فيهما مشبعتان ، وقرأ أبان عن عاصم ، وابن عباس ، وأبو حيوة ، وحميد بن الربيع عن الكسائي : ( يره ) بضم الياء ، وهي رؤية بصر ، بمعنى : يجعله يدركه ببصره ، والمعنى : يرى ثوابه وجزاءه ؛ لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا ، وهذا الفعل كله من " رأيت " بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد . وقرأ عكرمة : ( خيرا يراه ) و ( شرا يراه ) ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى : يصيبه ويناله .
ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترك أبو بكر رضي الله عنه الأكل وبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما يبكيك ؟ قال : يا رسول الله أو أسأل عن مثاقيل الذر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير " {[11943]} .
و ( الذرة ) نملة صغيرة حمراء رقيقة لا يرجح بها ميزان ، ويقال : إنها تجري إذا مضى لها حول ، وقد تؤول ذلك في قول امرىء القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول** من الذر فوق الإتب منها لأثرا{[11944]}
وحكى النقاش أنهم قالوا : كان بالمدينة رجلان أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها ، وكان الآخر يريد أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من الصدقة ، فنزلت الآية فيهما ، كأنه يقال لأحدهما : تصدق باليسير فإن مثقال ذرة الخير ترى ، وقيل للآخر : كف عن الصغائر فإن مقادير ذر الشر ترى .
تفريع على قوله : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] تفريع الفذلكة ، انتقالاً للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريعُ قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتاً .
والمثقال : ما يعرف به ثِقَل الشيء ، وهو ما يُقَدَّر به الوزن وهو كميزاننٍ زِنةً ومعْنًى .
والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .
و { مثقال ذرة } مثَل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإِيمان قال تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .
وإنما أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة ففي « الموطأ » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيلُ لثلاثة " الحديث . فسُئل عن الحُمُر فقال : لم يُنْزَل عَليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قَدِم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم يستقرىء النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صَعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره .
وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير .
وفي « الكشاف » : يحكى أن أعرابياً أخَّر خيراً يَرَه فقيل قدّمت وأخَّرت فقال :
خُذا بطن هَرشَى أو قَفَاها فإنه *** كلا جانبيْ هَرشَى لهن طريق اه
وقد غفل هذا الأعرابي عن بلاغة الآية المقتضية التنويه بأهل الخير .
روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .
ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية . ولو صحّ هذا الخبر لما كان مقتضياً أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهداً يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .
وجدت قوله تعالى : { فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَهُ } فكان مثقال ذرة قليلا ، وقد جعل الله تعالى لها حُكْمًا يُرَى في الخير والشر . ( الأم : 4/90 . ) [...] فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أَحْمَد ، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم . ( الرسالة : 5/5 . ون الأم : 6/217 . )...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقيل : ومَنْ يعمل ، والخبر عنها في الآخرة ، لفهم السامع معنى ذلك ، لما قد تقدّم من الدليل قبلُ ، على أن معناه : فمن عمل ذلك دلالة قوله : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا لِيُرَوْا أعمالَهُمْ } على ذلك . ولكن لما كان مفهوما معنى الكلام عند السامعين . وكان في قوله{ يَعْمَلْ } حثّ لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله ، والزجر عن معاصيه ، مع الذي ذكرت من دلالة الكلام قبل ذلك ، على أن ذلك مراد به الخبر عن ماضي فعله ، وما لهم على ذلك ، أخرج الخبر على وجه الخبر عن مستقبل الفعل ... عن ابن عباس ، في قوله : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ } قال : ليس مؤمن ولا كافر عمِل خيرا ولا شرّا في الدنيا ، إلا أتاه الله إياه؛ فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته ، فيغفر الله له سيئاته ، وأما الكافر فيردّ حسناته ، ويعذّبه بسيئاته . وقيل في ذلك غير هذا القول ، فقال بعضهم : أما المؤمن ، فيعجل له عقوبة سيئاته في الدنيا ، ويؤخّر له ثواب حسناته ، والكافر يعجّل له ثواب حسناته ، ويؤخر له عقوبة سيئاته ... عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعمْلْ مثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ } فرفع أبو بكر يده من الطعام ، وقال : يا رسول الله إني أُجزَى بما عملت من مثقال ذرّة من شرّ ؟ فقال : «يا أبا بَكْرٍ ، ما رأيْتَ فِي الدنْيا مِمّا تَكْرَهُ فَمَثاقِيلُ ذَرّ الشّرّ ، وَيَدّخِرُ لَكَ اللّهُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تَوَفّاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ » ... فهذه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنبئ عن أن المؤمن إنما يَرَى عقوبة سيّئاته في الدنيا ، وثواب حسناته في الآخرة ، وأن الكافر يرى ثواب حسناته في الدنيا ، وعقوبة سيئاته في الآخرة ، وأن الكافر لا ينفعه في الآخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كُفره
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم : يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا يرى ؛ لأنه لا يؤمن بها ، ولا يعمل لها ، كقوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ( الإسراء : 18 ) والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا وما عمل ( من خير ) في الآخرة . ... وجائز أن يكون قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } على الإحصاء والحفظ ، كقوله تعالى : { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } أي لا يذهب عنه شيء قليل ولا كثير حتى الذرة . ويحتمل وجها آخر ، وهو أن قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } أي من يعمل من المؤمنين مثقال ذرة خيرا يره في الآخرة { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ومن يعمل من الكفار مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ، لأن الله تعالى قد أخبر في غير آية من القرآن أنه يتقبل حسنات المؤمنين ويتجاوز عن سيئاتهم كقوله تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون } ( العنكبوت : 7 ) ونحو ذلك من الآيات . وقوله تعالى : { مثقال ذرة } ليس إرادة حقيقة الذرة ، ولكن على التمثيل . ...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن . وروي أن عمر بن الخطاب سأل قوما : أي آية في كتاب الله أحكم ؟ فقالوا : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ....
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
- اتفق أهل اللغة على أن فهم ما وراء الذرة من المقدار الكثير أسبق إلى الفهم . ( المستصفى : 1/335 )
- قد يطلق الخاص ، ونريد العام ، كقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } فيعبر بالقليل عن الكثير . ( معيار العلم في المنطق : 196 )
- { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } يدل على أن من يعمل مثقال ذرات خيرا يره أيضا ، لا بطريق اللغة والتعليل ؛ بل بطريق العرف . ( شفاء الغليل : 55 )
- والذرة أقل القليل الذي لا أقل دونه في مقصود هذا الكلام ، ما دون الذرة لا متصور في التقدير ، فهو ملحق به بطريق التعليل ، وهو أن السبب هو المجازاة على الحسنة والسيئة ، وما دون الذرة حسنة وسيئة ، فقد وجب سبب المجازاة فيجازى . ( نفسه : 65-57 )...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
( يره )... وهي رؤية بصر ، بمعنى : يجعله يدركه ببصره ، والمعنى : يرى ثوابه وجزاءه ؛ لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا ، وهذا الفعل كله من " رأيت " بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد . وقرأ عكرمة : ( خيرا يراه ) و ( شرا يراه ) ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى : يصيبه ويناله . ...
لقائل أن يقول : إذا كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟
( والجواب ) : هذا هو الكرم ، لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف ، والكريم لا يحتمله وفي الطاعة تعظيم ، وإن قل فالكريم لا يضيعه ، وكأن الله سبحانه يقول لا تحسب مثقال الذرة من الخير صغيرا ، فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع مني الذرة ، بل اعتبرتها ونظرت فيها ، واستدللت بها على ذاتي وصفاتي واتخذتها مركبا به وصلت إلي ، فإذا لم تضيع ذرتي أفأضيع ذرتك ! ثم التحقيق أن المقصود هو النية والقصد ، فإذا كان العمل قليلا لكن النية خالصة فقد حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيرا والنية دائرة فالمقصود فائت ، ومن ذلك ما روي عن كعب : لا تحقروا شيئا من المعروف ، فإن رجلا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله... ولهذا قال عليه السلام : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " ...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية : القائلون بالعموم ومن لم يقل به . وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فمن يعمل } من محسن أو مسيء ، مسلم أو كافر { مثقال } أي مقدار وزن { ذرة خيراً } أي من جهة الخير { يره } أي حاضراً لا يغيب عنه شيء منه ؛ لأن المحاسب له الإحاطة علماً وقدرة ، فالكافر يوقف على أنه جوزي به في الدنيا ، أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان ، فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ، ويقوى حزنه وأسفه ، والمؤمن يراه ليشتد سروره به . ...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا ، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الإسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها ! فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . . عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة....وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره . وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير ....
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
والمراد بالذرة : صغار النمل كما هو معروف ، وليس المراد بالذرة : الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم ، لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت ، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون ، وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ظاهر الآية يدل أيضاً على مسألة «تجسم الأعمال » ومشاهدة العمل نفسه ، صالحاً أم سيئاً ، يوم القيامة ، حتى إذا عمل ما وزنه ذرة من الذرات يره مجسماً يوم القيامة . ...