البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

الذرّة : النملة صغيرة حمراء رقيقة ، ويقال : إنها أصغر ما تكون إذا مضى لها حول . وقال امرؤ القيس :

ومن القاصرات الطرف لو دب محول *** من الذّر فوق الأتب منها لأثرا

وقيل : الذرّ : ما يرى في شعاع الشمس من الهباء .

أي { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً } من السعداء ، لأن الكافر لا يرى خيراً في الآخرة ،

وتعميم { ومن يعمل مثقال ذرة شراً } من الفريقين ، لأنه تقسم جاء بعد قوله : { يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم } .

وقال ابن عباس : قال هذه الأعمال في الآخرة ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً لأن خيره قد عجل له في دنياه ، والمؤمن تعجل له سيآته الصغائر في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها ، وما عمل من شر أو خير رآه .

ونبه بقوله : { مثقال ذرة } على أن ما فوق الذرة يراه قليلاً كان أو كثيراً ، وهذا يسمى مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، بل يكون المسكوت عنه بالأولى في ذلك الحكم ، كقوله : { فلا تقل لهما أف } والظاهر انتصاب خيراً وشراً على التمييز ، لأن مثقال ذرة مقدار .

وقيل : بدل من مثقال .

وقرأ الجمهور : بفتح الياء فيهما ، أي يرى جزاءه من ثواب وعقاب .

وقرأ الحسين بن علي وابن عباس وعبد الله بن مسلم وزيد بن علي والكلبي وأبو حيوة وخليد بن نشيط وأبان عن عاصم والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه : بضمها ؛ وهشام وأبو بكر : بسكون الهاء فيهما ؛ وأبو عمرو : بضمهما مشبعتين ؛ وباقي السبعة : بإشباع الأولى وسكون الثانية ، والإسكان في الوصل لغة حكاها الأخفش ولم يحكها سيبويه ، وحكاها الكسائي أيضاً عن بني كلاب وبني عقيل ، وهذه الرؤية رؤية بصر .

وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى يصيبه ويناله .

وقرأ عكرمة : يراه بالألف فيهما ، وذلك على لغة من يرى الجزم بحذف الحركة المقدرة في حروف العلة ، حكاها الأخفش ؛ أو على توهم أن من موصولة لا شرطية ، كما قيل في أنه من يتقي ويصبر في قراءة من أثبت ياء يتقي وجزم يصبر ، توهم أن من شرطية لا موصولة ، فجزم ويصبر عطفاً على التوهم ، والله تعالى أعلم .