الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

وَقَوْلهِ جلت عظمته : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً } الآية ، كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي هذه الآيَةَ الجِامِعَةَ الفَاذَّةَ ، ويروى أَنَّهُ " لَمَّا نَزَلَتْ هذه السُّورَةُ بَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَ أُسْأَلُ عَنْ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَا أبا بَكْرٍ ، مَا رَأَيْتَهُ في الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ فَبِمَثاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ ، وَيَدَّخِرُ لَكَ اللَّهُ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الخَيْرِ إلَى الآخِرَةِ " ، قال الداودي : بَيْنَمَا عُمَرُ بن الخَطَّابِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ليلاً ، إذا رَكْبٌ مُقْبِلينَ مِنْ جِهَةٍ ، فَقَالَ لبعض مَنْ معه : سَلْهُمْ مِنْ أَيْنَ أقبلوا ؟ فقال له أحدهم : من الفَجِّ العميقِ ، نُرِيدُ البَلَدَ العَتِيقَ ، فَأُخْبِرَ عمَرُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : أَوَقَعُوا في هذا ؟ قُلْ لَهُمْ ، فَمَا أَعْظَمُ ، آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ ، وأَحْكَمُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ ، وَأَعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ ، وأرجى آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ ، وَأَخْوَفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لَهُ قَائِلُهُمْ : أَعْظَمُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ آيَةُ الكُرْسِيِّ ، وَأَحْكَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } [ النحل : 90 ] وَأعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وأرجى آيَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 40 ] وَأَخْوفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّه : { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123 ] فأُخْبِرَ عمرَ بِذلكَ ، فَقَالَ لَهُمْ عمرُ : أَفِيكُم ابنُ أُمِّ عَبْدٍ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَكَ ، قال عُمَرُ : " كُنَيْفٌ مُليءَ عِلْماً " آثرْنَا بِهِ أهْلَ القَادِسِيَّةِ عَلَى أنْفُسِنَا . قال الداودي ، ومعْنَى أعظم آية يُرِيدُ في الثواب ، انتهى .