{ ذرة } أصغر النمل ، وما لا وزن له يعتد الناس به ، وما يرى في شعاع الشمس من الهباء .
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره( 7 ) } كالتفصيل لما أجمل في قوله تبارك اسمه : { ليروا أعمالهم } فمن كان يعمل في الدنيا صالحا وطاعة وبرا يجد جزاءه حاضرا مهما كان عمله يسيرا ، وإن كان وزن هباءة مما نراه في ضوء الشمس يدخل من كوة ؛ وربنا يقضي بالحق : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما }{[12367]} .
روى البخاري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له ، وهي لذلك الرجل أجر ، ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء ، فهي على ذلك وزر " ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال : " ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره( 8 ) } رواه مسلم . وقال محمد بن كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر{[12368]} ير ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ؛ ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن ، ير عقوبته في الدنيا ، في نفسه وماله وولده وأهله ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر{[12369]} .
نقل عن مقاتل وسعيد بن جبير ما حاصله : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزل : { ويطعمون الطعام على حبه }{[12370]} كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أو يستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة{[12371]} ، ويقول : ما هذا بشيء ! وإنما نؤجر على ما نعطي ؛ وكان الآخر يتهاون بالذنب الصغير كالكذبة والغيبة والنظرة ، ويقول : إنما أوعد الله النار على الكبائر ؛ فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يعطوه{[12372]} ؛ فإنه يوشك أن يكثر ؛ ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يعظم . اه .
فتبارك ربنا الشكور ، يتقبل بفضله العمل القليل ، ويعطينا عليه الأجر الجزيل ، والثواب الجميل .
في صحيح البخاري عن عدي مرفوعا : " اتقوا النار ولو بشق تمرة{[12373]} ولو بكلمة طيبة " ، وله أيضا في الصحيح : " لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " ، وفي الصحيح أيضا : " يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرش شاة " ، يعني : ظلفها ؛ وكما وعد على الخير ولو كان يسيرا ، توعد على الشر وإن كان حقيرا{[12374]} .
قال الشيخ أبو مدين في قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } قال : في الحال قبل المآل . اه .
[ فالمناسب أن يرجع كل فقرة إلى فرقة ليطابق المفصل المجمل ؛ ولأن ظاهر قوله سبحانه { فمن يعمل } { ومن يعمل } بتكرير أداة الشرط يقتضي التغاير بين العاملين ؛ وقال آخرون : بالعموم ، إلا أن منهم من قال : في الكلام قيد مقدر ، وترك لظهوره والعلم به من آيات أخر ، فالتقدير : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبط ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يكفر عنه ]{[12375]} .
هذا وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق- سمى خاتمة سورة الزلزلة : الآية الفذة الجامعة ، كما وردت أحاديث في فضلها{[12376]} ؛ فالله نسأل أن ينفعنا بالقرآن العظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.