وجدت قوله تعالى : { فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَهُ } فكان مثقال ذرة قليلا ، وقد جعل الله تعالى لها حُكْمًا يُرَى في الخير والشر . ( الأم : 4/90 . ) [...] فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أَحْمَد ، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم . ( الرسالة : 5/5 . ون الأم : 6/217 . )...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقيل : ومَنْ يعمل ، والخبر عنها في الآخرة ، لفهم السامع معنى ذلك ، لما قد تقدّم من الدليل قبلُ ، على أن معناه : فمن عمل ذلك دلالة قوله : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا لِيُرَوْا أعمالَهُمْ } على ذلك . ولكن لما كان مفهوما معنى الكلام عند السامعين . وكان في قوله{ يَعْمَلْ } حثّ لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله ، والزجر عن معاصيه ، مع الذي ذكرت من دلالة الكلام قبل ذلك ، على أن ذلك مراد به الخبر عن ماضي فعله ، وما لهم على ذلك ، أخرج الخبر على وجه الخبر عن مستقبل الفعل ... عن ابن عباس ، في قوله : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ } قال : ليس مؤمن ولا كافر عمِل خيرا ولا شرّا في الدنيا ، إلا أتاه الله إياه؛ فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته ، فيغفر الله له سيئاته ، وأما الكافر فيردّ حسناته ، ويعذّبه بسيئاته . وقيل في ذلك غير هذا القول ، فقال بعضهم : أما المؤمن ، فيعجل له عقوبة سيئاته في الدنيا ، ويؤخّر له ثواب حسناته ، والكافر يعجّل له ثواب حسناته ، ويؤخر له عقوبة سيئاته ... عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعمْلْ مثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ } فرفع أبو بكر يده من الطعام ، وقال : يا رسول الله إني أُجزَى بما عملت من مثقال ذرّة من شرّ ؟ فقال : «يا أبا بَكْرٍ ، ما رأيْتَ فِي الدنْيا مِمّا تَكْرَهُ فَمَثاقِيلُ ذَرّ الشّرّ ، وَيَدّخِرُ لَكَ اللّهُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تَوَفّاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ » ... فهذه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنبئ عن أن المؤمن إنما يَرَى عقوبة سيّئاته في الدنيا ، وثواب حسناته في الآخرة ، وأن الكافر يرى ثواب حسناته في الدنيا ، وعقوبة سيئاته في الآخرة ، وأن الكافر لا ينفعه في الآخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كُفره
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم : يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا يرى ؛ لأنه لا يؤمن بها ، ولا يعمل لها ، كقوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ( الإسراء : 18 ) والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا وما عمل ( من خير ) في الآخرة . ... وجائز أن يكون قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } على الإحصاء والحفظ ، كقوله تعالى : { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } أي لا يذهب عنه شيء قليل ولا كثير حتى الذرة . ويحتمل وجها آخر ، وهو أن قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } أي من يعمل من المؤمنين مثقال ذرة خيرا يره في الآخرة { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ومن يعمل من الكفار مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ، لأن الله تعالى قد أخبر في غير آية من القرآن أنه يتقبل حسنات المؤمنين ويتجاوز عن سيئاتهم كقوله تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون } ( العنكبوت : 7 ) ونحو ذلك من الآيات . وقوله تعالى : { مثقال ذرة } ليس إرادة حقيقة الذرة ، ولكن على التمثيل . ...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن . وروي أن عمر بن الخطاب سأل قوما : أي آية في كتاب الله أحكم ؟ فقالوا : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ....
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
- اتفق أهل اللغة على أن فهم ما وراء الذرة من المقدار الكثير أسبق إلى الفهم . ( المستصفى : 1/335 )
- قد يطلق الخاص ، ونريد العام ، كقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } فيعبر بالقليل عن الكثير . ( معيار العلم في المنطق : 196 )
- { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } يدل على أن من يعمل مثقال ذرات خيرا يره أيضا ، لا بطريق اللغة والتعليل ؛ بل بطريق العرف . ( شفاء الغليل : 55 )
- والذرة أقل القليل الذي لا أقل دونه في مقصود هذا الكلام ، ما دون الذرة لا متصور في التقدير ، فهو ملحق به بطريق التعليل ، وهو أن السبب هو المجازاة على الحسنة والسيئة ، وما دون الذرة حسنة وسيئة ، فقد وجب سبب المجازاة فيجازى . ( نفسه : 65-57 )...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
( يره )... وهي رؤية بصر ، بمعنى : يجعله يدركه ببصره ، والمعنى : يرى ثوابه وجزاءه ؛ لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا ، وهذا الفعل كله من " رأيت " بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد . وقرأ عكرمة : ( خيرا يراه ) و ( شرا يراه ) ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى : يصيبه ويناله . ...
لقائل أن يقول : إذا كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟
( والجواب ) : هذا هو الكرم ، لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف ، والكريم لا يحتمله وفي الطاعة تعظيم ، وإن قل فالكريم لا يضيعه ، وكأن الله سبحانه يقول لا تحسب مثقال الذرة من الخير صغيرا ، فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع مني الذرة ، بل اعتبرتها ونظرت فيها ، واستدللت بها على ذاتي وصفاتي واتخذتها مركبا به وصلت إلي ، فإذا لم تضيع ذرتي أفأضيع ذرتك ! ثم التحقيق أن المقصود هو النية والقصد ، فإذا كان العمل قليلا لكن النية خالصة فقد حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيرا والنية دائرة فالمقصود فائت ، ومن ذلك ما روي عن كعب : لا تحقروا شيئا من المعروف ، فإن رجلا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله... ولهذا قال عليه السلام : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " ...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية : القائلون بالعموم ومن لم يقل به . وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فمن يعمل } من محسن أو مسيء ، مسلم أو كافر { مثقال } أي مقدار وزن { ذرة خيراً } أي من جهة الخير { يره } أي حاضراً لا يغيب عنه شيء منه ؛ لأن المحاسب له الإحاطة علماً وقدرة ، فالكافر يوقف على أنه جوزي به في الدنيا ، أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان ، فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ، ويقوى حزنه وأسفه ، والمؤمن يراه ليشتد سروره به . ...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلًا ، والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الإسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها ! فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . . عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة....وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره . وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير ....
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
والمراد بالذرة : صغار النمل كما هو معروف ، وليس المراد بالذرة : الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم ، لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت ، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون ، وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ظاهر الآية يدل أيضاً على مسألة «تجسم الأعمال » ومشاهدة العمل نفسه ، صالحاً أم سيئاً ، يوم القيامة ، حتى إذا عمل ما وزنه ذرة من الذرات يره مجسماً يوم القيامة . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.