إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

وقولُه تعالَى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } تفصيلٌ ليرَوا ، وَقُرِئَ ( يُرَه ) ، والذرةُ النملةُ الصغيرةُ ، وَقيلَ ما يُرى في شُعاعِ الشمسِ منَ الهباءِ ، وَأياً مَا كان فمَعنى ما يعادلُها منْ خيرٍ وشرَ إما مشاهدةُ جزائِه ، فَمَنِ الأُولى مختصةٌ بالسُّعداءِ والثانيةُ بالأشقياءِ ، كيفَ لا وحسناتُ الكافرِ محبطةٌ بالكفرِ ، وسيئاتُ المؤمنِ المجتنبِ عن الكبائرِ معفوةٌ ، وما قيلَ : مِنْ أن حسنةَ الكافرِ تؤثرُ في نقصِ العقابِ يردُّه قولُه تعالَى : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء منثُوراً } [ سورة الفرقان ، الآية 23 ] وأما مشاهدةُ نفسِه من غيرِ أنْ يعتبرَ مَعَهُ الجزاءُ ولاَ عدمُه بلْ يفوضُ كلٌّ منَهما إلى سائرِ الدلائلِ الناطقةِ بعفوِ صغائرِ المؤمنِ المجتنبِ عنِ الكبائرِ ، وإثابتِه بجميعِ حسناتِه ، وبحبوطِ حسناتِ الكافرِ ، ومعاقبتِه بجميعِ معاصيهِ ، فالمَعْنى ما رُوِيَ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما : «ليسَ منْ مؤمنٍ وَلاَ كافرٍ عملَ خيراً أو شراً إلا أراهُ الله تعالَى إيَّاهُ ، أما المؤمنُ فيغفرُ له سيئاتِه ويثيبُه بحسناتِه ، وأما الكافِرُ فيردُّ حسناتِه تحسراً ويعاقبُه بسيئاتِه » .