النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه } في هذه الآية ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن معنى يَرَه أي يعرفْهُ .

الثاني : أنه يرى صحيفة عمله .

الثالث : أن يرى خير عمله ويلقاه .

وفي ذلك قولان :

أحدهما : أنه يلقى ذلك في الآخرة ، مؤمناً كان أو كافراً ؛ لأن الآخرة هي دار الجزاء .

الثاني : أنه إن كان مؤمناً رأى جزاء سيئاته في الدنيا ، وجزاء حسناته في الآخرة ، حتى يصير إليها وليس عليه سيئة .

وإن كان كافراً رأى جزاء حسناته في الدنيا ، وجزاء سيئاته في الآخرة ، حتى يصير إليها وليس له حسنة ، قاله طاووس .

ويحتمل ثالثاً : أنه جزاء ما يستحقه من ثواب وعقاب عند المعاينة في الدنيا ليوفاه في الآخرة .

ويحتمل المراد بهذه الآية وجهين :

أحدهما : إعلامهم أنه لا يخفى عليه صغير ولا كبير .

الثاني : إعلامهم أنه يجازي بكل قليل وكثير .

وحكى مقاتل بن سليمان أنها نزلت في ناس بالمدينة كانوا لا يتورعون من الذنب الصغير من نظرة أو غمزة أو غيبة أو لمسة ، ويقولون : إنما وعد الله على الكبائر ، وفي ناس يستقلون الكسرة والجوزة والثمرة ولا يعطونها ، ويقولون : إنما نجزى على ما نعطيه ونحن نحبه ، فنزل هذا فيهم .

وروي أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه ، فقرأ عليه هذه الآية ، فقال صعصعة : حسبي حسبي إن عملت مثقال ذرة خيراً رأيته ، وإن عملت مثقال ذرة شراً رأيته .

وروى أبو أيوب الأنصاري : قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يتغذيان إذ نزلت هذه السورة ، فقاما وأمسكا .