أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم في تاريخه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس رضي الله عنه قال : «بينما أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم : إذ نزلت عليه { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده وقال : يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر ، فقال : «يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر بشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة » .
وأخرج إسحق بن راهويه وعبد بن حميد والحاكم وابن مردويه عن أسماء قالت : «بينما أبو بكر رضي الله عنه يتغدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت هذه الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فأمسك أبو بكر رضي الله عنه وقال : يا رسول الله أكل ما عملناه من سوء رأيناه ؟ فقال : «ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون به ، ويدخر الخير لأهله في الآخرة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : «أنزلت { إذا زلزلت الأرض زلزالها } وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد ، فبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يبكيك يا أبا بكر ؟ » قال : تبكيني هذه السورة . فقال : «لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق إذ نزلت عليه هذه الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الطعام ثم قال : «من عمل منكم خيراً فجزاؤه في الآخرة ، ومن عمل منكم شراً يراه في الدنيا مصيبات وأمراضاً ، ومن يكن فيه مثقال ذرة من خير دخل الجنة » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه قال : كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه هذه الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فأمسك أبو بكر يده وقال : يا رسول الله إنا لراؤون ما عملنا من خير أو شر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر أرأيت ما رأيت مما تكره فهو من مثاقيل الشر ، ويدخر لك مثاقيل الخير حتى توفاه يوم القيامة ، وتصديق ذلك في كتاب الله { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير } [ الشورى : 30 ] » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : «لما أنزلت هذه الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } قلت : يا رسول الله إني لراء عملي ؟ قال : نعم . قلت : تلك الكبار الكبار ؟ قال : نعم . قلت : الصغار الصغار . قال : نعم . قلت : واثكل أمي . قال : " أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشر أمثالها - عني إلى سبعمائة ضعف- والله يضاعف لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يعفو الله ، ولن ينجو أحد منك بعمله " . قلت : ولا أنت يا نبي الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بالرحمة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } الآية قال : لما نزلت { ويطعمون الطعام على حبه } [ الإِنسان : 8 ] كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه ، فيجيء السائل إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة فيردونه ، ويقولون : ما هذا بشيء ، إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير كالكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، ويقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم في الخير القليل أن يعملوه فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر { فمن يعمل مثقال ذرة } يعني وزن أصغر النمل { خيراً يره } يعني في كتابه ويسره ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة } الآية قال : ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً ولا شراً في الدنيا إلا أره الله إياه ، فأما المؤمن فيريه الله حسناته وسيئاته فيغفر له من سيئاته ويثيبه على حسناته ، وأما الكافر فيريه حسناته وسيئاته فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال : من يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابها في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس عنده خير { ومن يعمل مثقال ذرة شراً } من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس عليه شيء .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وأحمد وعبد بن حميد والنسائي والطبراني وابن مردويه عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فقال : حسبي ، لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها .
وأخرج سعيد بن منصور عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في مجلس ومعهم أعرابي جالس { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعلم مثقال ذرة شراً يره } فقال الأعرابي : يا رسول الله أمثقال ذرة ؟ قال : نعم . فقال الأعرابي : واسوأتاه . ثم قام وهو يقولها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد دخل قلب الأعرابي الإِيمان » .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } الآية فقام رجل فجعل يضع يده على رأسه وهو يقول : واسوأتاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما الرجل فقد آمن » .
وأخرج ابن المبارك عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله ليس أحد يعمل مثقال ذرة خيراً إلا رآه ، ولم يعمل مثقال ذرة شراً إلا رآه ؟ قال : نعم . فانطلق الرجل وهو يقول : واسوأتاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «آمن الرجل » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع رجلاً إلى رجل يعلمه ، فعلمه حتى بلغ { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } فقال الرجل : حسبي ، فقال الرجل : يا رسول الله أرأيت الرجل الذي أمرتني أن أعلمه لما بلغ { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } فقال حسبي : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «دعه ، فقد فقه » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن رجلاً ذهب مرة يستقرئ فلما سمع هذه الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } إلى آخرها فقال : حسبي حسبي ، إن عملت مثقال ذرة من خير رأيته ، وإن عملت مثقال ذرة من شر رأيته . قال : وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : «هي الجامعة الفاذة » .
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق عن الحسن قال : لما نزلت { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } الآية قال رجل من المسلمين : حسبي حسبي ، إن عملت مثقال ذرة من خير أو شر رأيته ، انتهت الموعظة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحارث بن سويد أنه قرأ { إذا زلزلت } حتى بلغ { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } قال : إن هذا الإِحصاء شديد .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال : هو الكافر يعطى كتابه يوم القيامة فينظر فيه فيرى فيه كل حسنة عملها في الدنيا ، فترد عليه حسناته ، وذلك قول الله تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } [ الفرقان : 23 ] فابلس واسود وجهه ، وأما المؤمن فإنه يعطى كتابه بيمينه يوم القيامة فيرى فيها كل خطيئة عملها في دار الدنيا ، ثم يغفر له ذلك ، وذلك قول الله : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان : 70 ] فابيض وجهه ، واشتد سروره .
وأخرج ابن جرير عن سليمان بن عامر رضي الله عنه أنه قال : «يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم ، ويفي بالذمة ، ويكرم الضيف . قال : مات قبل الإِسلام ؟ قال : نعم . قال : لن ينفعه ذلك ، ولكنها تكون في عقبه فلن تخزوا أبداً ، ولن تذلوا أبداً ، ولن تفتقروا أبداً » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا : وضعي وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار أقدمه لحياتي ، وظمأ الهواجر ، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة ، وتمام التقوى أن يتقي الله تعالى البعد حتى يتقيه في مثقال ذرة ، حتى أن يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً ، حتى يكون حاجزاً بينه وبين الحرام ، إن الله قد بين للناس الذي هو يصيرهم إليه قال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه ، ولا شيئاً من الشر أن تفعله .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اعلموا أن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره » .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «اتقوا النار ولو بشق تمرة » ثم قرأت { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن عائشة رضي الله عنها جاءها سائل فسأل فأمرت له بتمرة ، فقال لها قائل : يا أم المؤمنين إنكم لتصدقون بالتمرة ؟ قالت : نعم . والله إن الخلق كثير ، ولا يشبعه إلا الله ، أو ليس فيها مثاقيل ذر كثيرة ؟
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة أن سائلاً جاءها فقالت لجاريتها : أطعميه ، فوجدت تمرة فقالت : أعطيه إياها ، فإن فيها مثاقيل ذر إن تقبلت .
وأخرج مالك وابن سعد وعبد بن حميد من طريق عائشة رضي الله عنها أن سائلا أتاها وعندها سلة من عنب فأخذت حبة من عنب فأعطته ، فقيل لها في ذلك ، فقالت : هذه أثقل من ذر كثير ، ثم قرأت { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } .
وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن برقان قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب أتاه مسكين وفي يده عنقود من عنب ، فناوله منه حبة ، وقال : فيه مثاقيل ذر كثيرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سائلاً سأل عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق وعليه تمر فناوله حبة ، فكأنهم أنكروا ذلك عليه ، فقال : في هذه مثاقيل ذر كثير .
وأخرج سعد عن عطاء بن فروخ أن سعد بن مالك أتاه سائل وبين يديه طبق عليه تمر فأعطاه تمرة ، فقبض السائل يده . فقال سعد : ويحك تقبل الله منا مثقال الذرة والخردلة ، وكم في هذه من مثاقيل الذر ؟
وأخرج ابن سعد عن شداد بن أوس أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : يا أيها الناس ألا إن الدنيا أجل حاضر ، يأكل منها البار والفاجر ، ألا وإن الآخرة أجل مستأخر يقضي فيها ملك قادر ، ألا وإن الخير بحذافيره في الجنة ، ألا وإن الشر بحذافيره في النار ، ألا واعلموا أنه { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } .
وأخرج الزجاجي في أماليه عن أنس بن مالك أن سائلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه تمرة ، فقال السائل : نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما علمت أن فيها مثاقيل ذر كثير » .
وأخرج هناد عن ابن عباس في قوله : { مثقال ذرة } أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها وقال : كل من هؤلاء مثقال ذرة .
وأخرج الحسين بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، وإن الآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قادر ، يحق فيها الحق ويبطل الباطل ، أيها الناس كونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن كل أم يتبعها ولدها . اعملوا وأنتم من الله على حذر ، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ، وأنكم ملاقو الله لا بد منه ، { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } » .
وأخرج مالك والبخاري وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر » الحديث . قال : وسئل عن الحمر فقال : «ما نزل عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } » .