غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

1

والذرة أصغر النمل أو هي الهباءة ، وعن ابن عباس : إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذرة ، فليس من عبد عمل خيراً أو شراً ، قليلاً كان أو كثيراً ، إلا أراه الله تعالى إياه . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه } [ الدهر :8 ] كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ، ويقول : ما هذا بشيء ، وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير ويقول : لا شيء علي من هذا ، فرغب الله تعالى في القليل من الخير لأنه يوشك أن يكثر ، وحذر من الذنب اليسير فإنه يوشك أن يعظم ، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " . والتحقيق أن المقصود النية ، فإن كان العمل قليلاً والنية خالصة حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيراً والنية فاسدة فالمقصود فائت ، ولهذا قال كعب الأحبار : لا تحقروا شيئاً من المعروف ، فإن رجلاً دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله ، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة . وعن عائشة أنه كان بين يديها عنب قدمته إلى نسوة بحضرتها فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك ، فضحك بعض من كان عندها فقالت : إن فيما ترون مثاقيل ، وتلت هذه الآية . قال جار الله : إن حسنات الكافر محبطة بالكفر ، وسيئات المؤمن مكفرة باجتناب الكبائر ، فما معنى الجزاء لمثاقيل الذر من الخير والشر ؟ وأجاب على مذهبه بأن المعنى : فمن يعمل من فريق السعداء مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل من فريق الأشقياء مثقال ذرة شراً يره . وذلك أن الحكم جاء بعد قوله { يصدر الناس أشتاتاً } والأولى في جوابه ما روي عن ابن عباس : ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله تعالى إياه . فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثاب بحسناته ، وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته . وقيل : إن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفرة لكن الموازنة معتبرة ، فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره ، وكذا القول في الجانب الآخر . وعن محمد بن كعب القرظي : معناه فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن فإنه يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة " . فإن قيل : إن كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟ قلت : هذا هو الكرم ؛ لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف والكريم لا يحتمله ، والطاعة تعظيم ، وإن قلت فالكريم لا يضيعه . قال أهل العرفان : كأنه تعالى يقول : ابن آدم إنك مع ضعفك وعجزك لم تضيع ذرة من مخلوقاتي ؛ بل نظرت فيها واعتبرت بها ، واستدللت بوجودها على وجود الصانع ، فأنا مع كمال قدرتي وكرمي كيف أضيع ذرتك والله الكريم .

/خ8