والذرة أصغر النمل أو هي الهباءة ، وعن ابن عباس : إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذرة ، فليس من عبد عمل خيراً أو شراً ، قليلاً كان أو كثيراً ، إلا أراه الله تعالى إياه . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه } [ الدهر :8 ] كان أحدهما يأتيه السائل فيسأم أن يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة ، ويقول : ما هذا بشيء ، وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير ويقول : لا شيء علي من هذا ، فرغب الله تعالى في القليل من الخير لأنه يوشك أن يكثر ، وحذر من الذنب اليسير فإنه يوشك أن يعظم ، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " . والتحقيق أن المقصود النية ، فإن كان العمل قليلاً والنية خالصة حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيراً والنية فاسدة فالمقصود فائت ، ولهذا قال كعب الأحبار : لا تحقروا شيئاً من المعروف ، فإن رجلاً دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله ، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة . وعن عائشة أنه كان بين يديها عنب قدمته إلى نسوة بحضرتها فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك ، فضحك بعض من كان عندها فقالت : إن فيما ترون مثاقيل ، وتلت هذه الآية . قال جار الله : إن حسنات الكافر محبطة بالكفر ، وسيئات المؤمن مكفرة باجتناب الكبائر ، فما معنى الجزاء لمثاقيل الذر من الخير والشر ؟ وأجاب على مذهبه بأن المعنى : فمن يعمل من فريق السعداء مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل من فريق الأشقياء مثقال ذرة شراً يره . وذلك أن الحكم جاء بعد قوله { يصدر الناس أشتاتاً } والأولى في جوابه ما روي عن ابن عباس : ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله تعالى إياه . فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثاب بحسناته ، وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته . وقيل : إن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفرة لكن الموازنة معتبرة ، فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره ، وكذا القول في الجانب الآخر . وعن محمد بن كعب القرظي : معناه فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن فإنه يرى عقوبة ذلك في الدنيا في نفسه أو أهله أو ماله حتى يلقى الآخرة وليس له فيها شر ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة " . فإن قيل : إن كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم ؟ قلت : هذا هو الكرم ؛ لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف والكريم لا يحتمله ، والطاعة تعظيم ، وإن قلت فالكريم لا يضيعه . قال أهل العرفان : كأنه تعالى يقول : ابن آدم إنك مع ضعفك وعجزك لم تضيع ذرة من مخلوقاتي ؛ بل نظرت فيها واعتبرت بها ، واستدللت بوجودها على وجود الصانع ، فأنا مع كمال قدرتي وكرمي كيف أضيع ذرتك والله الكريم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.