لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ} (7)

{ فمن يعمل مثقال ذرة } قال : وزن نملة صغيرة . وقيل : هو ما لصق من التراب باليد { خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدّنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته ، ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر ، فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته . وقال محمد بن كعب القرظي : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } من كافر يرى ثوابه في الدّنيا في نفسه وولده وأهله وماله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند الله خير { ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } من مؤمن يرى عقوبته في الدّنيا في نفسه ، وماله ، وولده ، وأهله ، حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند الله شر . قيل : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزلت { ويطعمون الطعام على حبه } وكان أحدهما يأتيه السائل ، فيستقل أن يطعمه التّمرة ، والكسرة ، والجوزة ، ونحو ذلك ويقول : هذا ليس بشيء يؤجر عليه ، إنما يؤجر على ما يعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذّنب الصّغير مثل الكذبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس في هذا إثم ، فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم من اليسير من الذّنب ، فإنه يوشك أن يكبر ، والإثم الصغير في عين صاحبه يصير مثل الجبل العظيم يوم القيامة . قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الجامعة الفاذة حين سأل عن زكاة الحمير ، فقال " ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } " . وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة كل واحد منهما بحبة عنب ، وقالا : فيها مثاقيل كثيرة ، قلت : إنما كان غرضهما تعليم الغير ، وإلا فهما من كرماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقال الربيع بن خيثم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السّورة ، فلما بلغ آخرها قال : حسبي الله قد انتهت الموعظة . والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه .