قوله تعالى : { ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه } أي تعينوه وتنصروه ، { وتوقروه } تعظموه وتفخموه هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وها هنا وقف ، { وتسبحوه } أي : تسبحوا الله يريد تصلوا له ، { بكرة وأصيلاً } بالغداة والعشي ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : ( وليؤمنوا به ويعزروه ، ويوقروه ، ويسبحوه ) بالياء فيهن لقوله : في قلوب المؤمنين ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهن .
ثم يلتفت بالخطاب إلى المؤمنين ، يكشف لهم عن الغاية المرجوة لهم من الرسالة . إنها الإيمان بالله ورسوله ، ثم النهوض بتكاليف الإيمان ، فينصرون الله بنصرة منهجه وشريعته ، ويوقرونه في نفوسهم بالشعور بجلاله ؛ وينزهونه بالتسبيح والتحميد طرفي النهار في البكور والأصيل ، وهي كناية عن اليوم كله ، لأن طرفي النهار يضمان ما بينهما من آونة . والغرض هو اتصال القلب بالله في كل آن . فهذه هي ثمرة الإيمان المرجوة للمؤمنين من إرسال الرسول شاهدا ومبشرا ونذيرا .
ثم اختلفت القرّاء في قراءة قوله : لِتُؤْمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهِ فقرأ جميع ذلك عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء ، بالتاء لِتُؤْمِنُوا ، وتُعَزّرُوهُ ، وَتُوَقّرُوهُ ، وَتُسَبّحُوهُ بمعنى : لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس . وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء «لِيُؤْمِنُوا ، ويُعَزّرُوهُ ، ويُوَقّرُوهُ ، ويُسَبّحُوهُ » بمعنى : إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزّروه .
والصواب من القول في ذلك : إن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا وَمُبَشّرا وَنَذِيرا يقول : شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيرا من النار .
وقوله : وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تجلّوه ، وتعظموه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَيُعَزّرُوهُ يعني : الإجلال وَيُوَقّرُوهُ يعني : التعظيم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيُعَزّرُوهُ وَيُوَقّرُوهُ كل هذا تعظيم وإجلال .
وقال آخرون : معنى قوله : وَيُعَزّرُوهُ : وينصروه ، ومعنى وَيُوَقّرُوهُ ويفخموه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيُعَزّرُوهُ : ينصروه وَيُوَقّرُوهُ أمر الله بتسويده وتفخيمه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَيُعَزّرُوهُ قال : ينصروه ، ويوقروه : أي ليعظموه .
حدثني أبو هريرة الضّبَعيّ ، قال : حدثنا حرميّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، جعفر بن أبي وحشية ، عن عكرِمة وَيُعَزّرُوهُ قال : يقاتلون معه بالسيف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، مثله .
حدثني أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، قالا : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عكرِمة ، مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ويعظموه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيُعَزّرُوهُ وَيُوَقّرُوهُ قال : الطاعة لله .
وهذه الأقوال متقاربات المعنى ، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها . ومعنى التعزير في هذا الموضع : التقوية بالنّصرة والمعونة ، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .
وقد بيّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
فأما التوقير : فهو التعظيم والإجلال والتفخيم .
وقوله : وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً يقول : وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات . والهاء في قوله : وَتُسَبّحُوهُ من ذكر الله وحده دون الرسول . وقد ذُكر أن ذلك في بعض القراءات : «وَيُسَبّحُوا اللّهَ بُكْرَةً وأصِيلاً » . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة «وَيُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً » في بعض القراءة «ويسبّحوا الله بكرة وأصيلاً » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في بعض الحروف «وَيُسَبّحُوا اللّهَ بُكْرَةً وَأصِيلاً » .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «وَيُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً » يقول : يسبحون الله رجع إلى نفسه .
وقرأ جمهور الناس في كل الأمصار : «لتؤمنوا بالله » على مخاطبة الناس ، على معنى قل لهم ، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وابن كثير وابو جعفر : «ليؤمنوا » بالياء على استمرار خطاب محمد عليه السلام ، وكذلك الأفعال الثلاثة بعد . وقرأ الجحدري : «وتَعْزُروه » بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي . وقرأ محمد بن السميفع اليماني وابن عباس : «وتعززوه » بزاءين ، من العزة . وقرأ جعفر بن محمد : «وتَعْزِروه » بفتح التاء وسكون العين وكسر الزاي ومعنى : { تعزروه } تعظموه وتكبروه ، قاله ابن عباس : وقال قتادة معناه : تنصروه بالقتال وقال بعض المتأولين : الضمائر في قوله : { وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } هي كلها لله تعالى . وقال الجمهور : { تعزروه وتوقروه } هما للنبي عليه السلام ، { وتسبحوه } هي لله ، وهي صلاة البردين{[10408]} .
وقرأ عمر بن الخطاب : «وتسبحوا الله » ، وفي بعض ما حكى أبو حاتم : «وتسبحون الله » ، بالنون ، وقرأ ابن عباس : «ولتسبحوا الله » . والبكرة : الغدو . والأصيل : العشي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.