تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { لتؤمنوا بالله ورسوله } خاطب بهذا البشر كله . وفي الأول خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول على الجمع بينهما في الخطاب : أرسلناك رسولا شاهدا لتؤمنوا أنتم بالله ورسوله .

ويحتمل أن يكون على الإضمار ؛ أي { إنا أرسلناك شاهدا ومُبشّرا ونذيرا } وقل لهم : إنما أُرسلت { لتؤمنوا بالله ورسوله } وهو كقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدّتهن } [ الطلاق : 1 ] معناه : { يا أيها النبي } قل لهم { إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدّتهن } .

فعلى ذلك جائز ما ذكرنا ، والله أعلم . وقُرئ بالياء{[19531]} ، وهي ظاهرة .

ثم الإيمان بالله تعالى ، هو أن يُشهد له بالوحدانية والألوهية وأن له الخلق والأمر في كل شيء وكل أمر .

والإيمان برسوله ، هو أن يُشهد له بالصدق في كل أمر وبالعدالة له في ما يحكم ، ويقضي ، /517-ب/ ونصدّقه في كل ما يقوله ، ونُجيبُه في كل ما يدعو إليه ، ونطيعه في كل أمر يأمر ربه ، وينهى عنه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وتعزّرُوه } اختُلف فيه : قال بعضهم : أي تنصروه ، وتعينوه ، وقال بعضهم : أي تطيعوه ، وقال بعضهم : أي تُعظّموه .

فمن يقول إن قوله : { وتُعزّروه } ليس على النصر والإعانة ، ولكن على التعظيم أو على الطاعة استدلّ بما قال في آية أخرى : { وعزّروه ونصروه } [ الأعراف : 157 ] ذكر التّعزير ، وعطف النصر عليه ، والمعطوف غير المعطوف عليه ، فدلّ أنه غير النصر ، ولكن جائز أن يُذكر الشيء الواحد بلفظين مختلفين ، ومعناهما واحد على التأكيد .

وكذلك من يقول بالتعظيم فيقول : أمرهم بتعظيمه في الحرفين ؛ أعني قوله : { وتُعزّروه وتُوقّروه } وذلك جائز في الكلام .

ويحتمل أن يكون التعزير ، هو الطاعة له ، والتوقير ، هو التعظيم ، وفي الطاعة له تعظيمه ، والله أعلم . ومن قال بالنصر والمعونة [ فمراده ]{[19532]} في التبليغ بتبليغ الرسالة إلى الخلق والدفع عنه والذّبّ والتعظيم له في قلبه وجميع جوارحه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وتُسبّحوه بُكرة وأصيلا } . والتسبيح : أجمع أهل التأويل أن قوله تعالى : { وتسبّحوه بُكرة } راجع إلى الله تعالى ، وكذلك ذُكر في بعض القراءات : ويُسبّحون الله بكرة وأصيلا ؛ والتسبيح هو التنزيه في الأفعال والأقوال .

فجائز نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله ليه وسلم لأنه كان بريء العيوب في أفعاله وأقواله ، لا يدخل في أفعاله وأقواله عيب .

وإن كان هو تنزيها عن الحدثيّة والفناء وآفات كل في نفسه فذلك لا يجوز إضافته ونسبته إلى الله عز وجل فأما غيره فيجوز{[19533]} إضافة ذلك إليه .

وأصله ما ذكر أهل التأويل من صرفه إلى الله تعالى .

وقوله تعالى : { بُكرةً وأصيلاً } صرف أهل التأويل البُكرة إلى صلاة الفجر والأصيل إلى صلاة المغرب والعشاء .

ولكن جائز أن تكون البُكرة كناية عن النهار والأصيل كناية وعبارة عن الليل ، فكأنه يقول : سبّحوا بالليل والنهار جملة في كل وقت ، والله أعلم .


[19531]:انظر معجم القراءات القرآنية ج6/202.
[19532]:ساقطة من الأصل وم.
[19533]:في الأصل وم: لا يجوز.