اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (9)

ثم بين فائدة الإرسال فقال : { لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ } أي تعينوه وتنصروه «وَتُوَقِّرُوهُ » أي تُعظموه{[51660]} وتُفخموه ، هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم{[51661]} وههنا وقف . ثم قال وتسبحوه ، أي تسبحوا الله ، يريد يصلوا له بكرةً وَأصيلاً بالغَدََاةِ والعشيّّ .

وقيل : الكنايات راجعة إلى لله تعالى{[51662]} ، أي ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروا الله بتقوية دينه ، ويوقروه الله الذي يُعَظِّموه .

قوله : «لِتُؤْمِنُوا » قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليُؤْمِنُوا وما بعده بالياء من{[51663]} تحت رجوعاً إلى قوله المؤمنين والمؤمنات . والباقون بتاء الخطاب ( وقرأ{[51664]} الجَحْدريّ يَعَزُّرُوه بفتح الياء{[51665]} وضم الزاي{[51666]} وهو أيضاً وجعفر بن محمد كذلك إلا أنهما كسرا الزاي . وابن عباس واليماني ويُعَزِّزُوهُ كالعامَّة إلا أنه بزايَين{[51667]} من العِزَّة . {[51668]}

فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الأحزاب : { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [ الأحزاب : 45 - 46 ] وههنا اقتصر على الثلاثة الأول ؟ .

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن ذلك المقام كان مقام ذكر ، لأن أكثر السورة ذكر الرسول وأحواله وما تقدمه من المبايعة و الوعد بالدخول ففصل هناك{[51669]} ولم يفصل هنا .

وثانيهما : أن قوله : «شاهداً » لما لم يقتض أن يكون داعياً لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إله إلا الله ولا يدعو الناس قال هناك : «وَدَاعِياً » كذلك{[51670]} ههنا لما لم يكن كونه شاهداً ينبئ عن كونه داعياً قال : ليؤمنوا بالله ويعزروه ويوقروهُ . وقوله : «بكرة وأصيلاً » يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة ، ويحتمل أن يكون لمخالفة عمل المشركين ، فإنهم كانوا يعبدون الأصنام في الكعبة بكرة وعشيَّةً ، فأمر الله بالتسبيح في أوقات ذكرهم الفَحْشَاء والمُنْكَر{[51671]} .


[51660]:وهو قول الحسن والكلبي.
[51661]:وعزاه الإمام القرطبي في الجامع إلى الضحاك.
[51662]:وعزي إلى الإمام القشيري ـ رحمة الله على الجميع ـ انظر القرطبي 16/267.
[51663]:وهي قراءة سبعية متواترة، انظر الكشف لمكي 2/280 والقرطبي 16/267 قال: وهو اختيار أبي عبيد واختار أبو حاتم قراءة الخطاب. وانظر أيضا السبعة 602، والإتحاف 395.
[51664]:ما بين القوسين كله سقط من نسخة ب.
[51665]:الأصح كما في البحر والمحتسب وغيرهما التاء وهي شاذة.
[51666]:أي تمنعوه أو تمنعوا دينه وشريعته. وانظر البحر 8/91 والمحتسب 2/175. وانظر مختصر ابن خالويه 141.
[51667]:في ب وأ كذلك بينما في البحر: بزاءين تثنية (زاء).
[51668]:انظر البحر المرجع السابق وهما شاذتان.
[51669]:في الرازي المصدر السابق: هنالك بلام البعد.
[51670]:وفيه: بذلك، وههنا.
[51671]:بالمعنى من تفسير الإمام الفخر عليه سحائب الرحمة والرضوان 28/86.