معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

قوله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } ، القاهر الغالب ، وفي القهر زيادة معنى على القدرة وهي منع غيره عن بلوغ المراد ، وقيل : هو المفرد بالتدبير ، يجبر الخلق على مراده ، { فوق عباده } هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به الله عز وجل .

قوله تعالى : { وهو الحكيم } ، في أمره .

قوله تعالى : { الخبير } ، بأعمال عباده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

12

ثم إنه لماذا يتخذ غير الله وليا ، ويعرض نفسه للشرك الذي نهى عنه وللمخالفة عن الإسلام الذي أمر به ، ولما يعقب المعصية من هذا العذاب الهائل الرعيب ؟ . . ألعل ذلك رجاء جلب نفع أو دفع ضر في هذه الحياة الدنيا ؟ رجاء نصرة الناس له في الضراء ؛ ورجاء نفع الناس له بالسراء ؟ . . إن هذا كله بيد الله ؛ وله القدرة المطلقة في عالم الأسباب ؛ وله القهر كذلك على العباد ؛ وعنده الحكمة والخبرة في المنع والعطاء :

( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . .

إنه تتبع هواجس النفس ووساوس الصدر ؛ وتتبع مكامن الرغائب والمخافات ، ومطارح الظنون والشبهات وتجليه هذا كله بنور العقيدة ، وفرقان الإيمان ، ووضوح التصور ، وصدق المعرفة بحقيقة الألوهية . ذلك لخطورة القضية التي يعالجها السياق القرآني في هذا الموضع ، وفي جملة هذا القرآن :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره{[10601]}

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } أي : في جميع ما يفعله { الْخَبِيرُ } بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .


[10601]:في أ: " حكم قهره".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } . .

يعني تعالى ذكره بقوله : «وهو » نفسه يقول : والله القاهر فوق عباده . ويعني بقوله : القاهِرُ : المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم . وإنما قال : «فوق عباده » ، لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ، ومن صفة كلّ قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه .

فمعنى الكلام إذن : والله الغالب عباده ، المذلّلهم ، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم ، فهو فوقهم بقهره إياهم ، وهم دونه . وهُوَ الحَكِيمُ يقول : والله الحكيم في علّوه على عباده وقهره إياهم بقدرته وفي سائر تدبيره ، الخبير بمصالح الأشياء ومضارّها ، الذي لا يخفى عليه عواقب الأمور وبواديها ، ولا يقع في تدبيره خلل ، ولا يدخل حكمه دخل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (18)

وقوله تعالى : { وهو القاهر } الآية ، أي وهو عز وجل المستولي المقتدر ، و { فوق } نصب على الظرف لا في المكان بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر ، كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة ، وحقيقة فوق في الأماكن ، وهي في المعاني مستعارة شبه بها من هو أرفع رتبة في معنى ما ، لما كانت في الأماكن تنبىء حقيقة عن الأرفع{[4847]} وحكى المهدوي : أنها بتقدير الحال ، كأنه قال : وهو القاهر غالباً .

قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضاً والأول عندي أصوب : و «العباد » بمعنى العبيد وهما جمعان للعبد ، أما أنا نجد ورود لفظة العباد في القرآن وغيره في مواضع تفخيم أو ترفيع أو كرامة ، وورود لفظ العبيد في تحقير أو استضعاف أو قصد ذم ، ألا ترى قول امرىء القيس : [ السريع ]

قولا لدودانَ عبيدِ العَصَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4848]}

ولا يستقيم أن يقال هنا عباد العصا ، وكذلك الذين سموا العباد لا يستقيم أن يقال لهم العبيد لأنهم أفخم من ذلك ، وكذلك قول حمزة رضي الله عنه وهل أنتم إلا عبيد لأبي ، لا يستقيم فيه عباد{[4849]} .

و { الحكيم } بمعنى المحكم ، و { الخبير } دالة على مبالغة العلم ، وهما وصفان مناسبان لنمط الآية .


[4847]:- هذا هو رأي الجمهور، فقد ذهبوا إلى أن الفوقية هنا مجاز- ثم قال بعضهم: هو فوقهم بالإيجاد والإعدام، وقال بعضهم: هو على حذف مضاف معناه: فوق قهر عباده بوقوع مراده دون مرادهم، وقال الزمخشري: هو تصوير للقهر والغلبة والقدرة كقوله: {وإنا فوقهم قاهرون} (127)- الأعراف. وقال أبو حيان: العرب تستعمل (فوق) إشارة لعلوّ المنزلة وشفوفها على غيرها من الرتب، ومنه قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} (10)- الفتح.
[4848]:t - البيت بتمامه: قولا لدودان عبيد العصا ما غركم بالأسد الباسل؟ و(دودان) قبيلة بني أسد، وكان أبو امرئ القيس إذا غضب على أحد منهم أمر بضربه بالعصا، فسمّوا: عبيد العصا، وأراد "بالأسد الباسل" أباه، وقيل: أراد نفسه. والبيت من قصيدة مطلعها: يا دار ما ويّة بالحائل فالسهب فالخبتين من عاقل وكل من حائل وعاقل جبل- والسهب والخبتان موضعان في جبل عاقل الذي كان ينزله حجر والد امرئ القيس.
[4849]:- قال أبو الفتح عثمان بن جني: "أكثر اللغة أن تستعمل (العبيد) للناس، و(العباد) لله، قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [42]- الحجر. وقال تعالى: {يا عباد فاتقون} [16]- الزمر، وهو كثير، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} [46]- فصلت. ومن أبيات الكتاب: أتوعدني بقومك يا بن حجل أشابات يخالون العبـــادا؟ بما جمّعت من حضن وعمرو وما حضن وعمرو والحيادا؟ أي: "يُخالفون عبيدا" اهـ. المحتسب 2-14. وأما قول حمزة رضي الله عنه فقد سبق الكلام عنه.