فأما ما حرمه الله على اليهود في قوله من قبل في سورة الأنعام . ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ، أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) لافقد كان عقوبة خاصة بهم لا تسري على المسلمين :
( وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ، ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا . إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) . .
ولقد استحق اليهود تحريم هذه الطيبات عليهم بسبب تجاوزهم الحد ومعصيتهم لله . فكانوا ظالمين لأنفسهم لم يظلمهم الله .
لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة{[16730]} والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وأنه{[16731]} أرخص فيه عند الضرورة - وفي ذلك توسعة لهذه الأمة ، التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر - ذكر سبحانه وتعالى ما كان حَرَّمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها ، وما كانوا فيه من الآصار والأغلال والحرج والتضييق ، فقال : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ } ، يعني : في " سورة الأنعام " في قوله : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا [ أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ] } [ الأنعام : 146 ]{[16732]} ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } ، أي : فيما ضيقنا عليهم ، { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، أي : فاستحقوا ذلك ، كما قال : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا } [ النساء : 160 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَلَىَ الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلََكِن كَانُوَاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وحرّمنا من قبلك يا محمد على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام ، وذاك كلّ ذي ظفر ، ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظُهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم . { وَما ظَلَمْناهُمْ } بتحريمنا ذلك عليهم ، { ولكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } فجزيناهم ذلك ببغيهم على ربهم وظُلمِهم أنفسهم بمعصية الله ، فأورثهم ذلك عقوبة الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن عكرمة ، في قوله : { وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ } قال فِي سورة الأنعام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ } قال : ما قصّ الله تعالى في سورة الأنعام حيث يقول : { وعلى الذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظُفُر… } الآية .
{ وعلى الذين هادوا حرّمنا ما قصصنا عليك } ، أي : في سورة " الأنعام " في قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } ، { من قبل } متعلق ب { قصصنا } أو ب { حرمنا } . { وما ظلمناهم } بالتحريم . { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } ، حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه ، وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم ، وأنه كما يكون للمضرة يكون للعقوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.