إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا مَا قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُۖ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (118)

{ وَعَلَى الذين هَادُواْ } ، خاصةً دون غيرِهم من الأولين والآخِرين ، { حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ } ، أي : بقوله تعالى : { حَرَّمْنَا كُلَّ ذي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } الآية ، { مِن قَبْلُ } ، متعلقٌ بقصصنا أو بحرمنا ، وهو تحقيقٌ لما سلف من حصر المحرمات فيما فُصّل بإبطال ما يخالفه من فرية اليهودِ وتكذيبهم في ذلك ، فإنهم كانوا يقولون : لسنا أول من حُرّمت عليه وإنما كانت محرمةً على نوح وإبراهيمَ ومَنْ بعدهما حتى انتهى الأمرُ إلينا ، { وَمَا ظلمناهم } بذلك التحريم ، { ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، حيث فعلوا ما عوقبوا عليه حسبما نعى عليهم قولُه تعالى : { فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ } الآية ، ولقد ألقمهم الحجرَ قولُه تعالى : { كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لّبَنِي إسرائيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيل على نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لهم ذلك بُهتوا ولم يجسَروا أن يُخرِجوا التوراةَ ، كيف وقد بُيّن فيها أن تحريمَ ما حُرِّم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبةً وتشديداً أوضحَ بيانٍ ، وفيه تنبيهٌ على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم .