معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

قوله تعالى : { قل لا أملك لنفسي } ، لا أقدر لها على شيء ، { ضرا ولا نفعا } ، أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، { إلا ما شاء الله } ، أن أملكه ، { لكل أمة أجل } ، مدة مضروبة ، { إذا جاء أجلهم } ، وقت فناء أعمارهم ، { فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون } ، أي : لا يتأخرون ولا يتقدمون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

26

والجواب :

( قل : لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .

وإذا كان الرسول [ ص ] لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فهو لا يملك لهم الضر والنفع بطبيعة الحال . [ وقد قدم ذكر الضر هنا ، وإن كان مأموراً أن يتحدث عن نفسه ، لأنهم هم يستعجلون الضر ، فمن باب التناسق قدم ذكر الضر . أما في موضع آخر في سورة الأعراف فقدم النفع في مثل هذا التعبير ، لأنه الأنسب أن يطلبه لنفسه وهو يقول : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ] .

( قل : لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعاً . . إلا ما شاء الله . . ) .

فالأمر إذن لله يحقق وعيده في الوقت الذي يشاؤه . وسنة الله لا تتخلف ، وأجله الذي أجله لا يستعجل :

( لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .

والأجل قد ينتهي بالهلاك الحسي . هلاك الاستئصال كما وقع لبعض الأمم الخالية . وقد ينتهي بالهلاك المعنوي . هلاك الهزيمة والضياع . وهو ما يقع للأمم ، إما لفترة تعود بعدها للحياة ، وإما دائماً فتضمحل وتنمحي شخصيتها وتنتهي إلى اندثارها كأمة ، وإن بقيت كأفراد . . وكل أولئك وفق سنة الله التي لا تتبدل ، لا مصادفة ولا جزافا ولا ظلماً ولا محاباة . فالأمم التي تأخذ بأسباب الحياة تحيا والأمم التي تنحرف عنها تضعف أو تضمحل أو تموت بحسب انحرافها . والأمة الإسلامية منصوص على أن حياتها في اتباع رسولها ، والرسول يدعوها لما يحييها . لا بمجرد الاعتقاد ، ولكن بالعمل الذي تنص عليه العقيدة في شتى مرافق الحياة . وبالحياة وفق المنهج الذي شرعه اللّه لها ، والشريعة التي أنزلها ، والقيم التي قررها . وإلا جاءها الأجل وفق سنة اللّه . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُ لِكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لمستعجليك وَعيدَ الله ، القائلين لك : متى يأتينا الوعد الذي تعدنا إن كنتم صادقين : لا أمْلِكُ لَنْفِسي أيها القوم أي لا أقدر لها على ضرّ ولا نفع في دنيا ولا دين إلا ما شاء الله أن أملكه فأجلبه إليها بأذنه . يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : فإذا كنت لا أقدر على ذلك إلا بإذنه ، فأنا عن القدرة على الوصول إلى علم الغيب ومعرفة قيام الساعة أعجز وأعجز ، إلاّ بمشيئته وإذنه لي في ذلك . لكلّ أمةٍ أجَلٌ يقول : لكلّ قوم ميقات لانقضاء مدتهم وأجلهم ، فإذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم ، لا يستأخرون عنه ساعة فيُمْهَلُون وُيؤَخّرون ، ولا يستقدمون قبل ذلك لأن الله قضى أن لا يتقدّم ذلك قبل الحين الذي قدّره وقضاه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

معنى : { لا أملك لنفسي ضَراً ولا نفعاً } : لا أستطيع ، كما تقدم في قوله تعالى : { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضَراً ولا نفعاً } في سورة [ العقود : 76 ] .

وقدم الضر على النفع لأنه أنسب بالغرض لأنهم أظهروا استبطاء ما فيه مضرتهم وهو الوعيد ولأن استطاعة الضر أهون من استطاعة النفع فيكون ذكر النفع بعده ارتقاء . والمقصود من جمع الأمرين الإحاطةُ بجنسي الأحوال . وتقدم في سورة الأعراف وجه تقديم النفع على الضر في نظير هذه الآية .

وقوله : { إلا ما شاء الله } استثناء منقطع بمعنى لكن ، أي لكن نفعي وضري هو ما يشاءه الله لي . وهذا الجواب يقتضي إبطال كلامهم بالأسلوب المصطلح على تلقيبه في فن البديع بالمذهب الكلامي ، أي بطريق برهاني ، لأنه إذا كان لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً فعدم استطاعته ما فيه ضَر غيره بهذا الوعد أولى من حيث إن أقرب الأشياء إلى مقدرة المرء هو ما له اختصاص بذاته ، لأن الله أودع في الإنسان قدرة استعمال قواه وأعضائه ، فلو كان الله مقدراً إياه على إيجاد شيء من المنافع والمضار في أحوال الكون لكان أقرب الأشياء إلى إقداره ما له تعلق بأحوال ذاته ، لأن بعض أسبابها في مقدرته ، فلا جرم كان الإنسان مسيّراً في شؤونه بقدرة الله لأن معظم أسباب المنافع والمضار من الحوادث منوط بعضه ببعض ، فموافقاته ومخالفاته خارجة عن مقدور الإنسان ، فلذلك قد يقع ما يضره وهو عاجز عن دفعه .

فكان معنى الجواب : أن الوعد من الله لا مِني وأنا لا أقدر على إنزاله بكم لأن له أجلاً عند الله .

وجملة : { لكل أمة أجل } من المقول المأمور به ، وموقعها من جملة : { لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً } موقع العلة لأن جملة { لا أملك لنفسي } اقتضت انتفاء القدرة على حلول الوعد .

وجملة : { لكل أمة أجل } تتضمن أن سبب عدم المقدرة على ذلك هو أن الله قدر آجال أحوال الأمم . ومن ذلك أجل حلول العقاب بهم بحكمة اقتضت تلك الآجال فلا يحل العقاب بهم إلا عند مجيء في ذلك الأجل ، فلا يقدر أحد على تغيير ما حدده الله .

وصورة الاستدلال بالطريق البرهاني أن قضية { لكل أمة أجل } قضية كلية تشمل كل أمة . ولما كان المخاطبون من جملة الأمم كانوا مشمولين لحكم هذه القضية فكأنه قيل لهم : أنتم أمة من الأمم ولكل أمة أجل فأنتم لكم أجل فترقبوا حلوله .

وجملة : { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } صفة ل ( أجل ) ، أي أجل محدود لا يقبل التغير . وقد تقدم الكلام على نظيرها في سورة الأعراف .

و { إذا } في هذه الآية مشربة معنى الشرط ، فلذلك اقترنت جُملة عاملها بالفاء الرابطة للجواب معاملة للفعل العامل في ( إذا ) معاملة جواب الشرط .