ثم إنَّه - تعالى - أمره بأن يجيبَ عن هذه الشُّبهةِ بجواب يحسم المادَّة ، وهو قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله } والمعنى : أنَّ إنزال العذاب على الأعداء ، وإظهار النُّصرة للأولياء لا يقدر عليه إلاَّ الله - سبحانه - ، وأنَّه - تعالى - ما عيَّن لذلك وقتاً معيناً ، بل تعيين الوقت مُفوَّض إلى الله - سبحانه - بحسب مشيئته .
قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ الله } فيه وجهان :
أحدهما : أنَّه استثناءٌ متَّصل ، تقديره : إلاَّ ما شاءَ الله أن أملكه ، وأقدر عليه .
والثاني : أنَّهُ منقطعٌ ، قال الزمخشري : " هو استثناءٌ منقطعٌ ، أي : ولكن ما شاء اللهُ من ذلك كائن ، فكيف أملك لكم الضَّرر وجَلْبَ العذابِ ؟ " .
احتجَّ المعتزلة بقوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله } بأن هذا الاستثناء ، يدلُّ على أنَّ العبد لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ، إلاَّ الطَّاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقبلاً بهما .
وأجيبوا : بأنَّ هذا الاستثناء منقطعٌ ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائنٌ .
قوله : { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي : مدَّة مضروبة { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } : وقت فناء أعمارهم ، قرأ ابن{[18477]} سيرين : " إذا جَاءَ آجالهم فلا يستأخِرُون ساعةً ولا يسْتقدِمُونَ " أي : لا يتأخَّرُون ، ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدلُّ على أنَّ أحداً لا يموت إلا بانقضاء أجله .
قوله : { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } شرط ، وقوله : { فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي : لا يتأخَّرون ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدل على جزاء ، و " الفاء " حرف الجزاء ؛ فوجب إدخاله على الجزاء ، فدلَّت الآيةُ على أنَّ الجزاء يحصل مع حُصُول الشَّرطِ لا يتأخَّر عنه ، وأنَّ حرف الفاء لا يدلُّ على التَّراخي ؛ وإنَّما يدلُّ على كونه جزاء .
وإذا ثبت هذا ، فنقولُ : إذا قال الرجُل لامرأة أجنبيَّة : إن تزوجتك ، فأنت طالقٌ ؛ قال بعضهم : لا يصح هذا التعليق ؛ لأنَّ هذه الآية دلَّت على أنَّ الجزاءَ إنَّما يحصل بحُصُول الشَّرط ، فلو صحَّ هذا التعليق ، لوجب أن يحصل الطلاق مقارناً للنِّكاح ، لما ثبت أنَّ الجزاء يجبُ حصولهُ مع حصول الشرط ، وذلك يوجبُ الجمع بين الضِّدَّين ، ولمَّا بطل هذا اللاَّزم ، وجب ألاَّ يصحَّ التعليق ، وقال أبو حنيفة : يَصِحُّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.