اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

ثم إنَّه - تعالى - أمره بأن يجيبَ عن هذه الشُّبهةِ بجواب يحسم المادَّة ، وهو قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله } والمعنى : أنَّ إنزال العذاب على الأعداء ، وإظهار النُّصرة للأولياء لا يقدر عليه إلاَّ الله - سبحانه - ، وأنَّه - تعالى - ما عيَّن لذلك وقتاً معيناً ، بل تعيين الوقت مُفوَّض إلى الله - سبحانه - بحسب مشيئته .

قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ الله } فيه وجهان :

أحدهما : أنَّه استثناءٌ متَّصل ، تقديره : إلاَّ ما شاءَ الله أن أملكه ، وأقدر عليه .

والثاني : أنَّهُ منقطعٌ ، قال الزمخشري : " هو استثناءٌ منقطعٌ ، أي : ولكن ما شاء اللهُ من ذلك كائن ، فكيف أملك لكم الضَّرر وجَلْبَ العذابِ ؟ " .

فصل

احتجَّ المعتزلة بقوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله } بأن هذا الاستثناء ، يدلُّ على أنَّ العبد لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ، إلاَّ الطَّاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقبلاً بهما .

وأجيبوا : بأنَّ هذا الاستثناء منقطعٌ ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائنٌ .

قوله : { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي : مدَّة مضروبة { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } : وقت فناء أعمارهم ، قرأ ابن{[18477]} سيرين : " إذا جَاءَ آجالهم فلا يستأخِرُون ساعةً ولا يسْتقدِمُونَ " أي : لا يتأخَّرُون ، ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدلُّ على أنَّ أحداً لا يموت إلا بانقضاء أجله .

فصل

قوله : { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } شرط ، وقوله : { فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي : لا يتأخَّرون ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدل على جزاء ، و " الفاء " حرف الجزاء ؛ فوجب إدخاله على الجزاء ، فدلَّت الآيةُ على أنَّ الجزاء يحصل مع حُصُول الشَّرطِ لا يتأخَّر عنه ، وأنَّ حرف الفاء لا يدلُّ على التَّراخي ؛ وإنَّما يدلُّ على كونه جزاء .

وإذا ثبت هذا ، فنقولُ : إذا قال الرجُل لامرأة أجنبيَّة : إن تزوجتك ، فأنت طالقٌ ؛ قال بعضهم : لا يصح هذا التعليق ؛ لأنَّ هذه الآية دلَّت على أنَّ الجزاءَ إنَّما يحصل بحُصُول الشَّرط ، فلو صحَّ هذا التعليق ، لوجب أن يحصل الطلاق مقارناً للنِّكاح ، لما ثبت أنَّ الجزاء يجبُ حصولهُ مع حصول الشرط ، وذلك يوجبُ الجمع بين الضِّدَّين ، ولمَّا بطل هذا اللاَّزم ، وجب ألاَّ يصحَّ التعليق ، وقال أبو حنيفة : يَصِحُّ .


[18477]:ينظر: الكشاف 2/350، المحرر الوجيز 3/124، البحر المحيط 5/165.