في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

26

والجواب :

( قل : لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .

وإذا كان الرسول [ ص ] لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فهو لا يملك لهم الضر والنفع بطبيعة الحال . [ وقد قدم ذكر الضر هنا ، وإن كان مأموراً أن يتحدث عن نفسه ، لأنهم هم يستعجلون الضر ، فمن باب التناسق قدم ذكر الضر . أما في موضع آخر في سورة الأعراف فقدم النفع في مثل هذا التعبير ، لأنه الأنسب أن يطلبه لنفسه وهو يقول : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ] .

( قل : لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعاً . . إلا ما شاء الله . . ) .

فالأمر إذن لله يحقق وعيده في الوقت الذي يشاؤه . وسنة الله لا تتخلف ، وأجله الذي أجله لا يستعجل :

( لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . .

والأجل قد ينتهي بالهلاك الحسي . هلاك الاستئصال كما وقع لبعض الأمم الخالية . وقد ينتهي بالهلاك المعنوي . هلاك الهزيمة والضياع . وهو ما يقع للأمم ، إما لفترة تعود بعدها للحياة ، وإما دائماً فتضمحل وتنمحي شخصيتها وتنتهي إلى اندثارها كأمة ، وإن بقيت كأفراد . . وكل أولئك وفق سنة الله التي لا تتبدل ، لا مصادفة ولا جزافا ولا ظلماً ولا محاباة . فالأمم التي تأخذ بأسباب الحياة تحيا والأمم التي تنحرف عنها تضعف أو تضمحل أو تموت بحسب انحرافها . والأمة الإسلامية منصوص على أن حياتها في اتباع رسولها ، والرسول يدعوها لما يحييها . لا بمجرد الاعتقاد ، ولكن بالعمل الذي تنص عليه العقيدة في شتى مرافق الحياة . وبالحياة وفق المنهج الذي شرعه اللّه لها ، والشريعة التي أنزلها ، والقيم التي قررها . وإلا جاءها الأجل وفق سنة اللّه . .