مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

ثم أنه تعالى أمره بأن يجيب عن هذه الشبهة بجواب يحسم المادة وهو قوله : { قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله } والمراد أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصرة للأولياء لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه ، وأنه تعالى ما عين لذلك الوعد والوعيد وقتا معينا حتى يقال : لما لم يحصل ذلك الموعود في ذلك الوقت ، دل على حصول الخلف فكان تعيين الوقت مفوضا إلى الله سبحانه ، إما بحسب مشيئته وإلهيته عند من لا يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح ، وإما بحسب المصلحة المقدرة عند من يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح ، ثم إذا حضر الوقت الذي وقته الله تعالى لحدوث ذلك الحادث ، فإنه لا بد وأن يحدث فيه ، ويمتنع عليه التقدم والتأخر .

المسألة الثانية : المعتزلة احتجوا بقوله : { قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله } فقالوا : هذا الاستثناء يدل على أن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا الطاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقلا بهما .

والجواب : قال أصحابنا : هذا الاستثناء منقطع ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائن .

المسألة الثالثة : قرأ ابن سيرين { فإذا جاء أجلهم }

المسألة الرابعة : قوله : { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } يدل على أن أحدا لا يموت إلا بانقضاء أجله ، وكذلك المقتول لا يقتل إلا على هذا الوجه ، وهذه مسألة طويلة وقد ذكرناها في هذا الكتاب في مواضع كثيرة .

المسألة الخامسة : أنه تعالى قال ههنا : { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } فقوله : { إذا جاء أجلهم } شرط وقوله : { فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } جزاء والفاء حرف الجزاء ، فوجب إدخاله على الجزاء كما في هذه الآية ، وهذه الآية تدل على أن الجزاء يحصل مع حصول الشرط لا متأخرا عنه وأن حرف الفاء لا يدل على التراخي وإنما يدل على كونه جزاء .

إذا ثبت هذا فنقول : إذا قال الرجل لامرأة أجنبية إن نكحتك فأنت طالق . قال الشافعي رضي الله عنه : لا يصح هذا التعليق ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يصح ، والدليل على أنه لا يصح أن هذه الآية دلت على أن الجزاء إنما يحصل حال حصول الشرط ، فلو صح هذا التعليق لوجب أن يحصل الطلاق مقارنا للنكاح ، لما ثبت أن الجزاء يجب حصوله مع حصول الشرط ، وذلك يوجب الجمع بين الضدين ، ولما كان هذا اللازم باطلا وجب أن لا يصح هذا التعليق .