فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (49)

{ قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا } أي لا أقدر على جلب نفع ولا دفع ضر عنها ، فكيف أقدر على أن أملك ذلك لغيري وقدم الضر لأن السياق لإظهار العجز عن ظهور الوعد الذي استعجلوه واستبعدوه .

والاستثناء في قوله { إلا ما شاء الله } منقطع كما ذكره أئمة المفسرين وبه قال الزمخشري أي ولكن ما شاء الله من ذلك كان فكيف أقدر على أن أملك لنفسي ضرا أو نفعا ، وقيل متصل تقديره إلا ما شاء الله أن أملكه وأقدر عليه والأول أولى .

وفي هذا أعظم واعظ وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه وذلك من صار يطلب من الرسول صلى الله عله وسلم ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه ، فإن هذا مقام رب العالمين الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين رزقهم وأحياهم ويميتهم فكيف يطلب من نبي من الأنبياء أو ملك من الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر ويترك الطلب لرب الأرباب القادر على كل شيء الخالق الرازق المعطي المانع .

وحسبك في هذه الآية موعظة فإن هذا سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلا عن أن يملكه لغيره .

فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا به من الشرك ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله ومدلول قل هو الله أحد .

وأعجب من هذا إطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى بل على ما هو أشد منها . فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع ، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقربين إليه وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع وينادونهم تارة على الاستقلال وتارة مع ذي الجلال وكفاك من شر سماعه والله ناصر دينه ومظهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر .

ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقر به عينه وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا إنا لله وإنا إليه راجعون .

ثم بين سبحانه أن لكل طائفة حدا محدودا لا يتجاوزونه فلا وجه لاستعجال العذاب فقال { لكل أمة } ممن قضى بينهم وبين رسولهم أو بين بعضهم لبعض { أجل } أي وقت خاص ومدة مضروبة يحل بهم ما يريده الله سبحانه وتعالى لهم عند حلوله والأجل يطلق على مدة العمر ، وعلى آخر جزء منه ، والمراد هنا الثاني كما يؤخذ من التفاسير .

{ فإذا جاء أجلهم } أي أجل كل أمة قال أبو السعود : أن جعل الأجل عبارة عن حد معين من الزمان فمعنى مجيئه ظاهر وإن أريد به ما أمتد من الزمان فمجيئه عبارة عن انقضائه إذ هناك يتحقق مجيئه بتمامه { فلا يستأخرون } عن ذلك الأجل المعين { ساعة } أي شيئا قليلا من الزمان { ولا يستقدمون } منه ، ومثله قوله تعالى { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون } والسين زائدة فيهما والكلام على هذه الآية المذكورة هنا قد تقدم في تفسير الآية التي في أول الأعراف فلا نعيده .