معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

قوله تعالى : { أأشفقتم أن تقدموا } قال ابن عباس : أبخلتم ؟ والمعنى : أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم ، { بين يدي نجواكم صدقات ، فإذ لم تفعلوا } ما أمرتم به ، { وتاب الله عليكم } تجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة ، وقيل " الواو " صلة ، مجازه ، فإن لم تفعلوا تاب الله عليكم ، وتجاوز عنكم وخفف عنكم ، ونسخ الصدقة قال مقاتل بن حيان : كان ذلك عشر ليال ثم نسخ . وقال الكلبي : ما كانت إلا ساعة من نهار . { فأقيموا الصلاة } المفروضة ، { وآتوا الزكاة } الواجبة . { وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

فخفف الله عنهم ونزلت الآية التالية برفع هذا التكليف ؛ وتوجيههم إلى العبادات والطاعات المصلحة للقلوب :

( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ? فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله . والله خبير بما تعملون ) . .

وفي هاتين الآيتين والروايات التي ذكرت أسباب نزولهما نجد لونا من ألوان الجهود التربوية لإعداد هذه الجماعة المسلمة في الصغير والكبير من شئون الشعور والسلوك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أشقّ عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات الفاقة . وأصل الإشفاق في كلام العرب : الخوف والحذر ، ومعناه في هذا الموضع : أخشيتم بتقديم الصدقة الفاقة والفقر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { أأشْفَقْتُمْ }قال : شقّ عليكم تقديم الصدقة ، فقد وُضِعَتْ عنكم ، وأمروا بمناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير صدقة حين شقّ عليهم ذلك .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن شبل بن عباد المكّي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فأقِيمُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاةَ }فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى .

وقوله : { فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ }يقول تعالى ذكره : فإذ لم تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات ، ورزقكم الله التوبة من ترككم ذلك ، فأدّوا فرائض الله التي أوجبها عليكم ، ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة ، وأطيعوا الله ورسوله ، فيما أمركم به ، وفيما نهاكم عنه . { وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلونَ }يقول جلّ ثناؤه : والله ذو خبرة وعلم بأعمالكم ، وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

نزلت هذه الآية عقب التي قبلها : والمشهور عند جمع من سلف المفسرين أنها نزلت بعد عشرة أيام من التي قبلها . وذلك أن بعض المسلمين القادرين على تقديم الصدقة قبل النجوى شق عليهم ذلك فأمسكوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط الله وجوب هذه الصدقة ، وقد قيل : لم يعمل بهذه الآية غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ولعل غيره لم يحتج إلى نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم واقتصد مما كان يناجيه لأدنى موجب .

فالخطاب لطائفة من المؤمنين قادرين على تقديم الصدقة قبل المناجاة وشقّ عليهم ذلك أو ثقل عليهم .

والإِشفاق توقع حصول مالا يبتغيه ومفعول { أأشفقتم } هو { أن تقدموا } أي من أن تقدموا ، أي أأشفقتم عاقبة ذلك وهو الفقر .

قال المفسرون على أن هذه الآية ناسخة للتي قبلها فسقط وجوب تقديم الصدقة لمن يريد مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وروي ذلك عن ابن عباس واستبعده ابن عطية .

والاستفهام مستعمل في اللوم على تجهم تلك الصدقة مع ما فيها من فوائد لنفع الفقراء .

ثم تجاوز الله عنهم رحمة بهم بقوله تعالى : { فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } الآية . وقد علم من الاستفهام التوبيخي أي بعضاً لم يفعل ذلك .

و ( إذ ) ظرفية مفيدة للتعليل ، أي فحين لم تفعلوا فأقيموا الصلاة .

وفاء { فإذ لم تفعلوا } لتفريع ما بعدها على الاستفهام التوبيخي .

وجملة { وتاب الله عليكم } معترضة ، والواو اعتراضية . وما تتعلق به ( إذ ) محذوف دل عليه قوله : { وتاب الله عليكم } تقديره : خففنا عنكم وأعفيناكم من أن تقدموا صدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاء { فأقيموا الصلاة } عاطفة على الكلام المقدر وحافظوا على التكاليف الأخرى وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله . أي فذلك لا تسامح فيه ، قيل لهم ذلك لئلا يحسبوا أنهم كلما ثقل عليهم فعل مما كلفوا به يعفون منه .

وإذ قد كانت الزكاة المفروضة سابقة على الأمر بصدقة النجوى على الأصح كان فعل { آتوا } مستعملاً في طلب الدوام مثل فعل { فأقيموا } .

واعلم أنه يكثر وقوع الفاء بعد ( إذْ ) ومتعلَّقها كقوله تعالى : { وإذ لم يهتدوا به فيسقولون هذا إفك قديم } في سورة [ الأحقاف : 11 ] . { و إذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف } في سورة [ الكهف : 16 ] .

وجملة { والله خبير بما تعملون } تذييل لجملة { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وهو كناية عن التحذير من التفريط في طاعة الله ورسوله .