فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

وقال ابن عباس : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى شقوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ذلك : ضن كثير من الناس وكفوا عن المسألة . فأنزل الله بعد هذا { أأشفقتم } الآية فوسع الله عليهم ولم يضيق .

" عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه الآية قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ما ترى دينارا ؟ قلت : لا يطيقونه ، قال : فنصف دينار قلت : لا يطيقونه ، قال : فكم ؟ قلت شعيرة قال إنك لزهيد ، قال : فنزلت { أأشفقتم } الآية في خفف الله عن هذه الأمة " والمراد بالشعيرة هنا وزن شعيرة من ذهب ، وليس المراد الواحدة من حب الشعير ، أخرجه الترمذي وحسنه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وغيرهم .

وعنه رضي الله تعالى عنه قال ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت ، وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى ، وعنه رضي الله عنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت { أأشفقتم } الآية ، وعن سعد بن أبي وقاص قال : نزلت آية النجوى فقدمت شعيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنك لزهيد ، فنزلت الآية الأخرى { أأشفقتم } الآية .

{ ذلك } أي ما تقدم من تقديم الصدقة بين يدي النجوى { خير لكم } لما فيه من طاعة الله ، وتقييد الأمر بكون امتثاله خيرا لهم منعدم الامتثال ، { وأطهر } لنفوسهم ، يدل على أنه أمر ندب لا أمر وجوب قوله :{ فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } يعني من كان منكم لا يجد تلك الصدقة المأمور بها بين يدي النجوى ، فلا حرج عليه في النجوى بدون صدقة .

{ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } أي أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدموا ذلك ؟ والإشفاق الخوف من المكروه ، والاستفهام للتقرير .

وقيل : المعنى أبخلتم ، وجمع الصدقات هنا باعتبار المخاطبين ، قال مقاتل بن حيان : إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ ، وقال الكلبي : ما كان ذلك إلا ليلة واحدة وقيل إنه لم يبق إلا يوما واحدا وقال قتادة : ما كان إلا ساعة من نهار .

{ فإذا لم تفعلوا } ما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى ، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به ولم يفعل ، وأما من لم يجد فقد تقدم الترخيص له بقوله :{ فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } وإذ على بابها في الدلالة على المضي وقيل : هي بمعنى إذا وقيل : بمعنى إن ، { وتاب الله عليكم } رجع بكم عنها بأن رخص لكم في الترك ، { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله } ، المعنى : إذا وقع منكم التثاقل عن امتثال الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى فاثبتوا على إقامة الصلاة المفروضة وإيتاء الزكاة الواجبة وطاعة الله ورسوله فيما تؤمرون به وتنهون عنه .

{ والله خبير بما تعملون } لا يخفى عليه من ذلك شيء ، فهو مجازيكم ، وليس في الآية ما يدل على تقصير المؤمنين في الامتثال ، أما الفقراء منهم فالأمر واضح ، وأما من عداهم من المؤمنين فإنهم لم يكلموا بالمناجاة حتى تجب عليهم الصدقة ، بل أمروا بالصدقة إذا أرادوا المناجاة ، فمن ترك المناجاة فلا يكون مقصرا في امتثال الأمر بالصدقة على أن الآية ما يدل على أن الأمر للندب كما قدمنا ، وقد استدل بهذه الآية من قال بأنه يجوز النسخ قبل إمكان الفعل وليس هذا الاستدلال بصحيح ، فإن النسخ لم يقع إلا بعد إمكان الفعل ، وأيضا قد فعل ذلك البعض فتصدق بين يدي نجواه كما تقدم .