السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

واختلف في الناسخ لذلك فقيل : هي منسوخة بالزكاة وأكثر المفسرين أنها منسوخة بالآية التي بعدها وهي { أأشفقتم } كما سيأتي وكان عليّ يقول : وخفف عن هذه الأمة { فإن لم تجدوا } أي : ما تقدّمونه { فإن الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { غفور رحيم } أي : له صفتا الستر للمساوي والإكرام بإظهار المحاسن على الدوام فهو يعفو ويرحم تارة يقدّم العقاب للعاصي وتارة بالتوسعة للضيق بأن ينسخ ما يشق إلى ما يخف .

وقوله تعالى :{ أأشفقتم } أي : خفتم العيلة لما يعدكم به الشيطان من الفقر خوفاً كاد أن يفطر قلوبكم { أن تقدّموا } أي : بإعطاء الفقراء وهم إخوانكم { بين يدي نجواكم } أي : النبيّ صلى الله عليه وسلم { صدقات } وجمع ؛ لأنه أكثر توبيخاً من حيث إنه يدل على أنّ النجوى تتكرّر استفهام معناه التقرير وهو الناسخ عند الأكثر كما مرّ .

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام : بتسهيل الثانية بخلاف عن هشام ، وأدخل بينهما الفاء قالون وأبو عمرو وهشام ، والباقون بتحقيقهما ولا إدخال والأولى محققة بلا خلاف { فإذ } أي : فحين { لم تفعلوا } أي : ما أمرتكم به من الصدقة للنجوى بسبب هذا الإشفاق { وتاب الله } أي : الملك الأعلى { عليكم } أي : رجع بكم عنها بأن نسخها عنكم تخفيفاً عليكم { فأقيموا } أي : بسبب العفو عنكم شكراً أي : على هذا الكرم والحلم { الصلاة } التي هي طهرة لأرواحكم وصلة لكم بربكم { وآتوا الزكاة } التي هي براءة لأبدانكم ، وتطهير ونماء لأموالكم ، وصلة لكم بإخوانكم ، ولا تفرّطوا في شيء من ذلك فتهملوه ، فالصلاة نور يهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ويعين على نوائب الدارين ، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة .

ثم عمم بعد أن خصص أشرف العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية بقوله تعالى :{ وأطيعوا الله } أي : الذي له الكمال له { ورسوله } أي : الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمرانكم به ، فإنه تعالى ما أمركم لأجل إكرام رسولكم صلى الله عليه وسلم إلا بالحنيفية السمحة { والله } أي : الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة ، { خبير بما تعملون } أي : يعلم بواطنكم كما يعلم ظواهركم لا تخفى عليه خافية .