فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

{ ءأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نجواكم صدقات } أي أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدّموا ذلك ، والإشفاق : الخوف من المكروه والاستفهام للتقرير . وقيل المعنى : أبخلتم ، وجمع الصدقات هنا باعتبار المخاطبين . قال مقاتل بن حيان : إنما كان ذلك عشر ليالٍ ثم نسخ . وقال الكلبي : ما كان ذلك إلاّ ليلة واحدة . وقال قتادة : ما كان إلاّ ساعة من النهار { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ } ما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى ، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به ولم يفعل ، وأما من لم يجد فقد تقدّم الترخيص له بقوله : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } { وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ } بأن رخص لكم في الترك ، «وإذ » على بابها في الدلالة على المضيّ ، وقيل : هي بمعنى إذا ، وقيل : بمعنى إن ، وتاب معطوف على لم تفعلوا : أي وإذا لم تفعلوا وإذ تاب عليكم { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } والمعنى : إذا وقع منكم التثاقل عن امتثال الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى فاثبتوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله فيما تؤمرون به وتنهون عنه { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } لا يخفى عليه من ذلك شيء فهو مجازيكم ، وليس في الآية ما يدلّ على تقصير المؤمنين في امتثال هذا الأمر ، أما الفقراء منهم فالأمر واضح ، وأما من عداهم من المؤمنين فإنهم لم يكلفوا بالمناجاة حتى تجب عليهم الصدقة بل أمروا بالصدقة إذا أرادوا المناجاة فمن ترك المناجاة فلا يكون مقصراً في امتثال الأمر بالصدقة ، على أن في الآية ما يدل على أن الأمر للندب كما قدّمنا . وقد استدلّ بهذه الآية من قال بأنه يجوز النسخ قبل إمكان الفعل ، وليس هذا الاستدلال بصحيح ، فإن النسخ لم يقع إلاّ بعد إمكان الفعل ، وأيضاً قد فعل ذلك البعض ، فتصدّق بين يدي نجواه كما سيأتي .

/خ13