التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

{ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 13 ) } .

تعليق على الآية :

{ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } ودلالتها على النسخ في القرآن وما فيها من صور متصلة بالعهد النبوي في المدينة .

عبارة الآية أيضا واضحة ، وقد تضمنت :

سؤالا إنكاريا منطويا على عتاب موجه للمسلمين على ما كان من إشفاقهم أو استثقالهم للصدقة التي فرضتها الآية السابقة لها على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم من عدم تنفيذهم الأمر .

وإيذانا بالتخفيف عنهم : فقد تاب الله عليهم وأعفاهم من ذلك . وعليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله .

وقد روى المفسرون : أن فرض الصدقة على المناجاة كان شديد الوقع والأثر على المسلمين ، فتكلموا في ذلك فأنزل الله الآية{[2165]} .

والرواية متسقة مع فحوى الآية وروحها . ومضمون الآية وأسلوبها يسند وجاهة حكمة التكليف التي ألمعنا إليها قبل ، فلو كان لتقليل مراجعة الناس للنبي صلى الله عليه وسلم أو لإفساح مجال المراجعة للفقراء لما كان وجه للعتاب والعدول لأن المقصود قد حصل .

وواضح أن الآية قد نسخت حكم الآية السابقة وهو ما عليه الجمهور{[2166]} .

ولقد روي عن مقاتل أن حكم الآية السابقة استمر عشر ليال ثم نسخ ، وروي عن علي ابن أبي طالب وقتادة والكلبي أن هذا الحكم لم يكن إلا ساعة من نهار ثم نسخ{[2167]} ، ومما روي أنه لم يعمل بالآية إلا علي ابن أبي طالب نفسه حيث ناجى النبي صلى الله عليه وسلم وتصدق بدينار . وأن عليا قال : إن آية المناجاة لم يعمل بها أحد قبلي ولا عمل بها أحد بعدي{[2168]} وهذا من أمثلة ما عليه الجمهور من وقوع نسخ في الأحكام القرآنية بأحكام قرآنية مع بقاء المنسوخ تلاوة على ما شرحناه في سياق آيات سورة النحل ( 100 101 ) والبقرة ( 106 ) على أن هناك من قال بعدم النسخ ، وإنما خفف في الآية التكليف عمن لا يريده وجعل على التخيير{[2169]} عبارة الآية تؤيد القول الأول كما هو المتبادر . والله أعلم .

ومن المحتمل أن تكون الآية قد نزلت عقب الآية الثانية بدون فاصل قرآني فوضعت بعدها ، وإلا فيكون ترتيبها للمناسبة الموضوعية .

وفي الآية صورة لما كان يظهر من المسلمين من مواقف اللجاج والتلكؤ إزاء بعض التشريعات والتكليفات المالية والجهادية مما نبهنا عليه في سياق تشريع الأنفال الغنائم الحربية والفيء والجهاد في سور الأنفال والحشر والنساء .

ونقول هنا ما قلناه في تلك المناسبات من أننا نرجح أن الذين استثقلوا التكليف الجديد وأشفقوا منه هم من المستجدين الذين كانوا يؤلفون أكثرية المسلمين ، وليسوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين سجل الله رضاءه عنهم ورضاءهم عنه في آية سورة التوبة ( 100 ) وسجلت آيات عديدة مكية ومدنية استغراقهم في دين الله وطاعته وطاعة رسوله ، ورويت أحاديث عديدة بفضلهم وإخلاصهم أوردناها في مناسبات سابقة وتواترت الأخبار بأنهم كانوا يبادرون إلى تلقي كل أمر رباني ونبوي بالإذعان والقبول . والتشريعات إنما تقوم على الأكثرية ، وهذه صورة اجتماعية عامة تظهر في مثل هذه المناسبات في كل وقت ومكان . وقد اقتضت الحكمة العدول عن التكليف بسبب ذلك .

وفي المبادرة القرآنية أسوة حسنة لأولياء أمور المسلمين وحكامهم وزعمائهم فيما ليس فيه قرآن صريح أو معصية ومفسدة ؛ حيث ينبغي عليهم مسايرة ظروف ورغبات أكثرية المسلمين في العدول عما يكون طلبوه أو أوجبوه من تكاليف وأعمال .


[2165]:انظر البغوي والخازن
[2166]:انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري
[2167]:انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري
[2168]:المصدر نفسه
[2169]:انظر تفسير القاسمي