نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ءَأَشۡفَقۡتُمۡ أَن تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَٰتٖۚ فَإِذۡ لَمۡ تَفۡعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (13)

ولما دل ختم الآية على التخفيف ، وكان قد يدعي مدعون عدم الوجدان كذباً{[63393]} فيحصل لهم حرج ، وكان تعالى شديد العناية بنجاة هذه الأمة ، دل على لطفه بهم بنسخه بعد فرضه . فقال موبخاً لمن يشح على المال نادباً إلى الخروج عنه من غير إيجاب : { أأشفقتم } أي خفتم من العيلة لما يعدكم به الشيطان من الفقر خوفاً كاد أن يفطر قلوبكم { أن تقدموا } أي{[63394]} بإعطاء الفقراء وهم إخوانكم { بين يدي نجواكم } أي للرسول صلى الله عليه وسلم ، وجمع لأنه أكثر توبيخاً{[63395]} من حيث إنه يدل على أن النجوى تتكرر ، وذلك يدل على عدم خوفهم من مشقة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ووجود خوفهم من فعل التصدق فقال : { صدقات } وكان بعضهم ترك وهو واجد فبين سبحانه رحمته لهم بنسخها عنهم لذلك في موضع العقاب لغيرهم عند الترك .

ولما كان من قبلنا إذا{[63396]} كلفوا الأمر الشاق وحملوا على التزامه بمثل رفع الجبل فوقهم ، فإذا خالفوا عوقبوا ، بين فضل هذه الأمة بأنه خفف عنهم ، فقال معبراً بما قد يشعر بأن بعضهم ترك عن قدرة : { فإذ } أي فحين { لم تفعلوا } أي ما أمرتم به من الصدقة للنجوى بسبب هذا الإشفاق { وتاب الله } أي الملك الأعلى الذي كان من شأن ما هو عليه من العظمة أن يعاقب من ترك أمره { عليكم } أي رجع بمن{[63397]} ترك الصدقة عن وجدان ، وبمن تصدق وبمن لم يجد إلى مثل حاله قبل ذلك من سعة الإباحة والعفو والتجاوز والمعذرة والرخصة والتخفيف قبل الإيجاب ، ولم يعاقبكم على الترك ولا على ظهور اشتغال ذلك منكم ، قال مقاتل بن حيان{[63398]} : كان ذلك عشر ليال {[63399]}ثم نسخ{[63400]} ، وقال الكلبي{[63401]} : ما كانت إلا ساعة من نهار . وعلى كل منهما{[63402]} فهي لم تتصل بما قبلها نزولاً وإن اتصلت بها تلاوة وحلولاً ، { فأقيموا } بسبب العفو عنكم شكراً على هذا الكرم والحلم { الصلاة } التي هي طهرة{[63403]} لأرواحكم ووصلة لكم بربكم { وآتوا الزكاة } التي هي نزاهة لأبدانكم وتطهير{[63404]} ونماء لأموالكم وصلة بإخوانكم ، ولا تفرطوا في شيء من ذلك فتهملوه ، فالصلاة نور تهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ، وتعين على نوائب الدارين ، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة .

ولما خص أشرف{[63405]} العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية ، عم فقال حاثاً على زيادة النور والبرهان اللذين بهما تقع المشاكلة في الأخلاق فتكون المناجاة عن{[63406]} أعظم{[63407]} إقبال وإنفاق{[63408]} فقال : { وأطيعوا الله } أي الذي له الكمال كله فلم يشركه في إبداعه لكم على ما أنتم عليه أحد { ورسوله } الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمر{[63409]} به فإنه ما أمركم لأجل إكرام رسولكم صلى الله عليه وسلم إلا بالحنيفية السمحة ، وجعل المحافظة على ذلك قائمة مقام ما أمركم به ، ثم نسخه عنكم من تقديم الصدقة على النجوى .

ولما كان قد عفا عن أمر أشعر السياق بأنه وقع فيه تفريط ، فكان ذلك ربما{[63410]} جرى على انتهاك الحرمات ، رهب من جنابه بإحاطة العلم ، وعبر بالخبر لأن أول الآية وبخ على أمر باطن ولم يبالغ بتقديم الجار لما فيها من الأمور الظاهرة ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فالله يحب الذين يطيعون : { والله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً { خبير بما تعملون * } أي تجدون علمه ، يعلم بواطنه كما يعلم ظواهره .


[63393]:- من ظ وم، وفي الأصل: كذب.
[63394]:- زيد من ظ وم.
[63395]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63396]:- زيد من ظ و م.
[63397]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[63398]:- راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 7/ 45.
[63399]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63400]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63401]:- راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 7/ 45.
[63402]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها.
[63403]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظهر
[63404]:- من ظ وم، وفي الأصل: تطهيرا.
[63405]:- من ظ وم، وفي الأصل: اشراف.
[63406]:- من م، وفي الأصل وظ: من
[63407]:- من ظ وم، وفي الأصل: الإقبال.
[63408]:- من ظ وم، وفي الأصل: الإقبال.
[63409]:- من ظ وم، وفي الأصل: يأمركم.
[63410]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمر بما-كذا.