معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (3)

{ وهذا البلد الأمين } أي الآمن ، يعني : مكة ، يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (3)

ويقسم الله - سبحانه - على هذه الحقيقة بالتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ، وهذا القسم على ما عهدنا في كثير من سور هذا الجزء - هو الإطار الذي تعرض فيه تلك الحقيقة . وقد رأينا في السور المماثلة أن الإطار يتناسق مع الحقيقة التي تعرض فيه تناسقا دقيقا .

وطور سينين هو الطور الذي نودي موسى - عليه السلام - من جانبه . والبلد الأمين هو مكة بيت الله الحرام . . وعلاقتهما بأمر الدين والإيمان واضحة . . فأما التين والزيتون فلا يتضح فيهما هذا الظل فيما يبدو لنا .

وقد كثرت الأقوال المأثورة في التين والزيتون . . قيل : إن التين إشارة إلى طور تينا بجوار دمشق .

وقيل : هو إشارة إلى شجرة التين التي راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة التي كانا فيها قبل هبوطهما إلى هذه الحياة الدنيا . وقيل : هو منبت التين في الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح - عليه السلام .

وقيل في الزيتون : إنه إشارة إلى طور زيتا في بيت المقدس . وقيل : هو إشارة إلى بيت المقدس نفسه . وقيل : هو إشارة إلى غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح عليه السلام - من السفينة - لترتاد حالة الطوفان . فلما عادت ومعها هذا الغصن عرف أن الأرض انكشفت وأنبتت !

وقيل : بل التين والزيتون هما هذان الأكلان الذان نعرفهما بحقيقتهما . وليس هناك رمز لشيء وراءهما . .

أو أنهما هما رمز لمنبتهما من الأرض . . .

وشجرة الزيتون إشير إليها في القرآن في موضع آخر بجوار الطور : فقال : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) . . كما ورد ذكر الزيتون : ( وزيتونا ونخلا ) . . فأما " التين " فذكره يرد في هذا الموضع لأول مرة وللمرة الوحيدة في القرآن كله .

ومن ثم فإننا لا نملك أن نجزم بشيء في هذا الأمر . وكل ما نملك أن نقوله - اعتمادا على نظائر هذا الإطار في السور القرآنية - : إن الأقرب أن يكون ذكر التين والزيتون إشارة إلى أماكن أو ذكريات ذات علاقة بالدين والإيمان . أو ذات علاقة بنشأة الإنسان في أحسن تقويم [ وربما كان ذلك في الجنة التي بدأ فيها حياته ] . . كي تلتئم هذه الإشارة مع الحقيقة الرئيسية البارزة في السورة ؛ ويتناسق الإطار مع الحقيقة الموضوعة في داخله . على طريقة القرآن . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (3)

وقوله : وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ يقول : وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله ، أو يغزوهم . وقيل : الأمين ، ومعناه : الآمن ، كما قال الشاعر :

ألمْ تَعْلَمِي يا أسْمَ ويَحَكِ أنّنِي *** حَلَفْتُ يَمِينا لا أخُونُ أمِيني

يريد : آمني ، وهذا كما قال جلّ ثناؤه : ( أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَما آمِنا وَيُتَخَطّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) .

وإنما عُنِي بقوله : وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ : مكة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) قال : مكة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا رَوْح ، قال : حدثنا عوف ، عن يزيد أبي عبد الله ، عن كعب ، في قول الله ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ )قال : البلد الحرام .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا رَوْح ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله و( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) قال : البلد الحرام .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وحدثنا أبو كُريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ )قال : مكة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سَلاّم بن سليم ، عن خَصِيف ، عن مجاهد : ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) : مكة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدّث عن عكرِمة ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) : قال : البلد الحرام .

قال : ثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة ، عن قوله ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ )قال : مكة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) يعني : مكة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) قال : المسجد الحرام .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مُؤَمّل ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) : مكة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ} (3)

و{ البلد الأمين } : مكة ، سمي الأمين لأن من دخله كان آمناً ، فالأمين فعيل بمعنى مُفعل مثل : « الداعي السمِيع » في بيت عمرو بن معديكرب ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول على وجه الإِسناد المجازي ، أي المأمون ساكنوه قال تعالى : { وآمنهم من خوف } [ قريش : 4 ] .

والإشارة إليه للتعظيم ولأن نزول السورة في ذلك البلد فهو حاضر بمرأى ومسمع من المخاطبين نظير قوله : { لا أقسم بهذا البلد } [ البلد : 1 ] .

وعلى ما تقدم ذكره من المحملين الثانيين للتين والزيتون تتم المناسبة بين الأيمان وتكون إشارة إلى موارد أعظم الشرائع الواردة للبشر ، فالتين إيماء إلى رسالة نوح وهي أول شريعة لِرسولٍ ، والزيتون إيماء إلى شريعة إبراهيم فإنه بنى المسجد الأقصى كما ورد في الحديث وقد تقدم في أول الإِسراء ، و { طور سينين } إيماء إلى شريعة التوراة ، و { البلد الأمين } إيماء إلى مهبط شريعة الإِسلام ، ولم يقع إيماء إلى شريعة عيسى لأنها تكملة لشريعة التوراة .

وقد يكون الزيتون على تأويله بالمكان وبأنه المسجد الأقصى إيماء إلى مكان ظهور شريعة عيسى عليه السلام لأن المسجد الأقصى بناه سليمان عليه السلام فلم تنزل فيه شريعة قبل شريعة عيسى ويكون قوله : { وهذا البلد الأمين } إيماء إلى شريعة إبراهيم وشريعة الإِسلام فإن الإِسلام جاء على أصول الحنيفية وبذلك يكون إيماءُ هذه الآية ما صرح به في قوله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } [ الشورى : 13 ] ، وبذلك يكون ترتيب الإيماء إلى شرائع نوح وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام غير جار على ترتيب ظهورها فتوجيه مخالفة الترتيب الذكري للترتيب الخارجي أنه لمراعاة اقتران الاسمين المنقولين عن اسمي الثمرتين ، ومقارنة الاسمين الدالين على نوعين من أماكن الأرض ، ليتأتى مُحسن مراعاة النظير ومحسن التورية ، وليناسب { سينين } فواصل السورة .

وفي ابتداء السورة بالقَسَم بما يشمل إرادة مهابط أشهر الأديان الإلهية براعةُ استهلال لغرض السورة وهو أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، أي خلقه على الفطرة السليمة مدركاً لأدلة وجود الخالق ووحدانيته . وفيه إيماء إلى أن ما خالف ذلك من النحل والملل قد حاد عن أصول شرائع الله كلها بقطع النظر عن اختلافها في الفروع ، ويكفي في تقوّم معنى براعة الاستهلال ما يلوح في المعنى من احتمال .