قوله تعالى : { ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً } ، أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، كناية عن غير مذكور ، { إن أجري } ، ما ثوابي ، { إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } ، هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين ، { إنهم ملاقوا ربهم } ، أي : صائرون إلى ربهم في المعاد فيجزي من طردهم . { ولكني أراكم قوما تجهلون }
( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ، إن أجري إلا على الله ، وما أنا بطارد الذين آمنوا ، إنهم ملاقو ربهم ، ولكني أراكم قوما تجهلون ) .
يا قوم إن الذين تدعونهم أراذل قد دعوتهم فآمنوا ، وليس لي عند الناس إلا أن يؤمنوا . إنني لا أطلب مالا على الدعوة ، حتى أكون حفيا بالأثرياء غير حفي بالفقراء ؛ فالناس كلهم عندي سواء . . ومن يستغن عن مال الناس يتساو عنده الفقراء والأغنياء . .
( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) . .
ونفهم من هذا الرد أنهم طلبوا أو لوحوا له بطردهم من حوله ، حتى يفكروا هم في الإيمان به ، لأنهم يستنكفون أن يلتقوا عنده بالأراذل ، أو أن يكونوا وإياهم على طريق واحد ! - لست بطاردهم ، فهذا لا يكون مني . لقد آمنوا وأمرهم بعد ذلك إلى الله لا لي :
إنهم ملاقوا ربهم . . ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) . .
تجهلون القيم الحقيقية التي يقدر بها الناس في ميزان الله . وتجهلون أن مرد الناس كلهم إلى الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقَوْمِ لآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّهُمْ مّلاَقُو رَبّهِمْ وَلََكِنّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } .
وهذا أيضا خبر من الله عن قيل نوح لقومه أنه قال لهم : يا قَوْمِ لا أسْألُكمْ على نصيحتي لكم ودعايتكم إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له مالاً : أجرا على ذلك ، فتتهموني في نصيحتي ، وتظنون أن فعلي ذلك طلب عرَض من أعراض الدنيا . إنْ أجْرِيَ إلاّ على اللّهِ يقول : ما ثواب نصيحتي لكم ودعايتكم إلى ما أدعوكم إليه ، إلا على الله ، فإنه هو الذي يجازيني ويثيبني عليه . وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا وما أنا بمقص من آمن بالله وأقرّ بوحدانيته وخلع الأوثان وتبرأ منها بأن لم يكونوا من عِلْيتكم وأشرافكم . إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ يقول : إن هؤلاء الذين تسألوني طردهم صائرون إلى الله ، والله سائلهم عما كانوا في الدنيا يعملون ، لا عن شرفهم وحسبهم .
وكان قيل نوح ذلك لقومه ، لأن قومه قالوا له ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ قال : قالوا له : يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم ، وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء فقال : ما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ فيسألهم عن أعمالهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح جميعا ، عن مجاهد ، قوله : إنْ أجْرِيَ إلاّ على اللّهِ قال : جزائي .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقوله : وَلَكِنّي أرَاكُمْ قَوْما تَجْهَلُونَ يقول : ولكني أيها القوم أراكم قوما تجهلون الواجب عليكم من حقّ الله واللازم لكم من فرائضه ، ولذلك من جهلكم سألتموني أن أطرد الذين آمنوا بالله .
{ ويا قوم لا أسألكم عليه } على التبليغ وهو إن لم يذكر فمعلوم مما ذكر . { مالا } جعلا . { إن أجري إلا على الله } فإنه المأمول منه . { وما أنا بطارد الذين آمنوا } جواب لهم حين سألوا طردهم . { إنهم ملاقو ربهم } فيخاصمون طاردهم عنده ، أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم . { ولكني أراكم قوما تجهلون } بلقاء ربكم أو بأقدارهم أو في التماس طردهم ، أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل .
وقوله { يا قوم لا أسألكم عليه مالاً } الآية ؛ الضمير في { عليه } عائد على التبليغ .
وقوله : { وما أنا بطارد الذين آمنوا } يقتضي أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرد تباعه بمكة الذين لم يكونوا من قريش .
وقوله : { إنهم ملاقوا ربهم } تنبيه على العودة إلى الله ولقاء جزائه المعنى ، فيوصلهم إلى حقهم عندي إن ظلمتهم بالطرد . ثم وصفهم بالجهل في مثل هذا الاقتراح ونحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.