محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

[ 29 ] { ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون 29 } .

{ ويا قوم لا أسألكم عليه } أي على تبليغ التوحيد { مالا ، إن أجري إلا على / الله } قال القاشاني : أي الغرض عندكم من كل أمر ، محصور في حصول المعاش ، وأنا لا أطلب ذلك منكم ، فتنبهوا لغرضي ، وأنتم عقلاء بزعمكم .

ثم لما بين أن لا وجه لكراهة دعوته ، إذ لا تنقصهم من دنياهم شيئا ، فلم يبق إلا خسّة أتباعه ، ولا ترتفع إلا بطردهم ، قال : { وما أنا بطارد الذين آمنوا } أي لأنهم أهل القربة والمنزلة عند الله ، وطردهم قد يكون مانعا لهم من الإيمان أو لأمثالهم . ولا يفعل ذلك إلا عدوّ لله مناوئ لأوليائه . ولو كان طردهم سبب إيمانكم ولم يرتدوا ، أخاف من طردهم شكايتهم ، وهذا معنى قوله : { إنهم ملاقوا ربهم } أي فيخاصمون طاردهم عنده . أو المعنى : إنهم يلاقونه ويفوزون بقربه ، فكيف أطردهم ؟

ثم أشار إلى أن خسّتهم ليست مانعة من الإيمان ، إذ لا تلحقهم ، بقوله : { ولكني أراكم قوما تجهلون } أي فتخافون لحوق خستهم ، لمشاركتكم إياهم في الإيمان من جهلكم ؛ إذ الخسيس لا تترك مشاركته في كل شيء . أو تجهلون ما يصلح به المرء للقاء الله ، ولا تعرفون الله ولا لقاءه ، لذهاب عقولهم في الدنيا . أو تسفهون وتؤذون المؤمنين ، وتدعونهم أراذل . أو تجهلون أنهم خير منكم ، كما قال تعالى{[4826]} : { وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين } ؟


[4826]:[6 / الأنعام / 53].