فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

قوله : { ويا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الله } فيه التصريح منه عليه السلام بأنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالاً حتى يكون بذلك محلاً للتهمة ، ويكون لقول الكافرين مجال بأنه إنما ادّعى ما ادعى طلباً للدنيا ، والضمير في عليه راجع إلى ما قاله لهم ، فيما قبل هذا . وقوله : { وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمَنُواْ } كالجواب عما يفهم من قولهم : { وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا } من التلميح منهم إلى إبعاد الأراذل عنه . وقيل : إنهم سألوه طردهم تصريحاً لا تلميحاً ، ثم علل ذلك بقوله : { إِنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ } أي : لا أطردهم ، فإنهم ملاقون يوم القيامة ربهم فهو يجازيهم على إيمانهم لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عنده سبحانه ، وكأنه قال هذا على وجه الإعظام لهم ، ويحتمل أنه قاله خوفاً من مخاصمتهم له عند ربهم بسبب طرده لهم ؛ ثم بين لهم ما هم عليه في هذه المطالب التي طلبوها منه ، والعلل التي اعتلوا بها عن إجابته فقال : { ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } كل ما ينبغي أن يعلم ، ومن ذلك استرذالهم للذين اتبعوه وسؤالهم له أن يطردهم .

/خ34