تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

وقوله تعالى : ( وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً ) [ يحتمل وجهين :

أحدهما : ][ ساقطة من الأصل وم ] على تبليغ الرسالة إليكم أو على إقامة الحجة على ما [ أبلغكم من ][ في الأصل وم : ادعي من ] الرسالة أو على الدين الذي أدعوكم إليه ؛ أي لا أسألكم على ذلك أجرا . فلماذا تعرضون عما أدعوكم إليه ، وأقيمه عليكم ليكون لكم الاحتجاج أو الاعتذار ؟ وكذلك يخرج قوله : ( أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون )[ الطور : 40 والقلم : 46 ] أي لا نسألكم[ في الأصل وم : تسألهم ] أجرا على ما نبلغه إليكم ، وندعوكم إليه ، فيمنعكم ثقل ذلك الغرم إجابتكم إياه .

فعلى ذلك الأول ؛ ذكر هذا لأن ما يلحق الإنسان من الضرر إنما يمنعه عن الإذعان للحق[ في الأصل وم : بالحق ] والإقبال إليه والقيام بوفائه ، أو يمنع ذلك بما لا يتبين له الحق لئلا يكون لهم الاحتجاج والاعتذار عند الله ، وإن لم يكن لهم حجة كقوله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )[ النساء : 165 ] ليس على أنه إذا سألهم على ذلك أجرا يكون لهم عذر في رد ذلك وترك الإجابة ؛ إن لله أن يكلفهم الإجابة والطاعة له .

والثاني بقوله : ( لا أسألكم ) على ما أدعوكم إليه ، وأبلغه إليكم مالا مع حاجتي وقلة مالي ، فيقع عندكم أني أدعوكم إليه رغبة في ما في أيديكم من الأموال أو لمنفعة نفسي ، بل إنما أدعوكم إليه لمنفعة أنفسكم .

وقوله تعالى : ( إن أجري إلا على الله ) أي ما أجري إلا على الله في ذلك ليس عليكم .

وقوله تعالى : ( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) فيه دلالة : كأنهم سألوا رسولهم أن يتخذ لهم مجلسا على حدة ، ويفرد لهم ذلك دون الأراذل والضعفاء ، وهو كقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) الآية[ الأنعام : 52 ] .

وقال أهل التأويل : ( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) أي ما أنا بالذي لا أقبل الإيمان من الأراذل والضعفاء مثلكم[ في الأصل وم : عندكم ] لقولهم الذي[ في الأصل وم : حيث ] قالوا : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي )[ هود : 27 ] لأنهم يقولون : اتبعك الأراذل ظاهرا ، وأما في الباطن فليسوا على ذلك . ولذلك قال : ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ )[ هود : 31 ] يعني ما في قلوب السفلة ، فيقول : ( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) ظاهرا : الله أعلم بما في القلوب .

وقوله تعالى : ( إنهم ملاقوا ربهم ) يحتمل وجهين :

أحدهما : أي ملاقوا ربهم ، فيشكون مني إليه في رد إيمانهم ، ويخاصمونني في ذلك ، ويطالبونني ] في طردي إياهم .

والثاني : ( إنهم ملاقوا ربهم ) ظاهرا كان إيمانهم أو باطنا ؛ أي في أي حال هم ملاقو ربهم ، فيجزيهم بما هم عليه كقوله ( إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون )[ الشعراء : 113 ] .

وقوله تعالى : ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) يحتمل ( تجهلون ) ما أدعوكم إليه ، أو ( تجهلون ) في قولكم : إنهم آمنوا ، واتبعوا في ظاهر الحال وأما في السر فلا ، أو ( تجهلون ) ما يلحقني في طردكم .