قوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ، إن وقع منكم تقصير في أمر دينكم .
قوله تعالى : { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا } ، عن الحق .
قوله تعالى : { ميلاً عظيماً } . بإتيانكم ما حرم عليكم ، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قال السدي : هم اليهود والنصارى ، وقال بعضهم : هم المجوس ، لأنهم يحلون نكاح الأخوات ، وبنات الأخ ، والأخت وقال مجاهد : هم الزناة ، يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون ، وقيل : هم جميع أهل الباطل .
( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) . .
وتكشف الآية الواحدة القصيرة عن حقيقة ما يريده الله للناس بمنهجه وطريقته ، وحقيقة ما يريده بهم الذين يتبعون الشهوات ، ويحيدون عن منهج الله - وكل من يحيد عن منهج الله إنما يتبع الشهوات - فليس هنالك إلا منهج واحد هو الجد والاستقامة والالتزام ، وكل ما عداه إن هو إلا هوى يتبع ، وشهوة تطاع ، وانحراف وفسوق وضلال .
فماذا يريد الله بالناس ، حين يبين لهم منهجه ، ويشرع لهم سنته ؟ إنه يريد أن يتوب عليهم . يريد أن يهديهم . يريد أن يجنبهم المزالق . يريد أن يعينهم على التسامي في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة .
وماذا يريد الذين يتبعون الشهوات ، ويزينون للناس منابع ومذاهب لم يأذن بها الله ، ولم يشرعها لعباده ؟ إنهم يريدن لهم أن يميلوا ميلا عظيما عن المنهج الراشد ، والمرتقى الصاعد والطريق المستقيم .
وفي هذا الميدان الخاص الذي تواجهه الآيات السابقة : ميدان تنظيم الأسرة ؛ وتطهير المجتمع ؛ وتحديد الصورة النظيفة الوحيدة ، التي يحب الله أن يلتقي عليها الرجال والنساء ؛ وتحريم ما عداها من الصور ، وتبشيعها وتقبيحها في القلوب والعيون . . في هذا الميدان الخاص ما الذي يريده الله وما الذي يريده الذين يتبعون الشهوات ؟
فأما ما يريده الله فقد بينته الآيات السابقة في السورة . وفيها إرادة التنظيم ، وإرادة التطهير ، وإرادة التيسير ، وإرادة الخير بالجماعة المسلمة على كل حال .
وأما ما يريده الذين يتبعون الشهوات فهو أن يطلقوا الغرائز من كل عقال : ديني ، أو أخلاقي ، أو
اجتماعي . . يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح ، من أي لون كان . السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب ، ولا يسكن معه عصب ، ولا يطمئن معه بيت ، ولا يسلم معه عرض ، ولا تقوم معه أسرة . يريدون أن يعود الآدميون قطعانا من البهائم ، ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة ! كل هذا الدمار ، وكل هذا الفساد ، وكل هذا الشر باسم الحرية ، وهي - في هذا الوضع - ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة !
وهذا هو الميل العظيم الذي يحذر الله المؤمنين إياه ، وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات . وقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي ، الذي تفوقوا فيه وتفردوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف . وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي ، الذي لا عاصم منه ، إلا منهج الله ، حين تقره العصبة المؤمنة في الأرض إن شاء الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.