{ 76 } { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا }
لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم ، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته ، والهدى يشمل العلم النافع ، والعمل الصالح . فكل من سلك طريقا في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه ، وسهله عليه ويسره له ، ووهب له أمورا أخر ، لا تدخل تحت كسبه ، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه ، كما قاله السلف الصالح ، ويدل عليه قوله تعالى { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا }
ويدل عليه أيضا الواقع ، فإن الإيمان قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور ، أعظم تفاوت ، ثم قال : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } أي : الأعمال الباقية ، التي لا تنقطع إذا انقطع غيرها ، ولا تضمحل ، هي الصالحات منها ، من صلاة ، وزكاة ، وصوم ، وحج ، وعمرة ، وقراءة ، وتسبيح ، وتكبير ، وتحميد ، وتهليل ، وإحسان إلى المخلوقين ، وأعمال قلبية وبدنية . فهذه الأعمال { خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا } أي : خير عند الله ، ثوابها وأجرها ، وكثير للعاملين نفعها وردها ، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه ، فإنه ما ثم غير الباقيات الصالحات ، عمل ينفع ، ولا يبقى لصاحبه ثوابه ولا ينجع ، ومناسبة ذكر الباقيات الصالحات-والله أعلم- أنه لما ذكر أن الظالمين جعلوا أحوال الدنيا من المال والولد ، وحسن المقام ونحو ذلك ، علامة لحسن حال صاحبها ، أخبر هنا أن الأمر ، ليس كما زعموا ، بل العمل الذي هو عنوان السعادة ومنشور الفلاح ، هو العمل بما يحبه الله ويرضاه .
{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله ، أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه ، وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية { والباقيات الصالحات } الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد ، ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . { خير عند ربك ثوابا } عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله : { وخير مردا } والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء ، أي أبلغ في حره منه في برده .
ولما ذكر ضلالة الكفرة وارتباكهم في الافتخار بنعم الدنيا وعماهم عن الطريق المستقيم عقب ذلك بذكر نعمته على المؤمنين في أنهم يزيدهم { هدى } في الارتباط إلى الأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وزيادة العلم دأباً .
قال الطبري عن بعضهم المعنى بناسخ القرآن ومنسوخه ع : وهذا مثال .
وقوله { والباقيات الصالحات } إشارة الى ذلك الهدى الذي يزيدهم الله تعالى أي وهذه النعم على هؤلاء { خير } عند الله { ثواباً } وخير مرجعاً . والقول في زيادة الهدى سهل بين الوجوه{[8027]} ، وأما { الباقيات الصالحات } فقال بعض العلماء هو كل عمل صالح يرفع الله به درجة عامله ، وقال الحسن هي «الفرائض » ، وقال ابن عباس هي «الصلوات الخمس » وروي عن النبي عليه السلام «أنها الكلمات المشهورات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر » وقد قال رسول الله عليه السلام لأبي الدرداء «خذهن يا أبا الدرداء ، قبل أن يحال بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة »{[8028]} وروي عنه عليه السلام أنه قال يوماً «خذوا جنتكم ، قالوا يا رسول الله أمن عدو حضر قال : من النار ، قالوا ما هي يا رسول الله ، قال : سبحان الله ، ولا إله الا الله ، والله أكبر ، وهن الباقيات الصالحات »{[8029]} وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث : لأهللن ، ولأكبرن الله ، ولأسبحنه حتى إذا رآني الجاهل ظنني مجنوناً .
جملة { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } معطوفة على جملة { من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدّاً } لما تضمنه ذلك من الإمهال المفضي إلى الاستمرار في الضلال ، والاستمرار : الزيادة . فالمعنى على الاحتباك ، أي فليمدد له الرحمان مداً فيزدَدْ ضلالاً ، ويمدّ للذين اهتدوا فيزدادوا هدىً .
وجملة { والباقيات الصالحات خير } عطف على جملة { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } . وهو ارتقاء من بشارتهم بالنجاة إلى بشارتهم برفع الدرجات ، أي الباقيات الصالحات خير من السلامة من العذاب التي اقتضاها قوله تعالى : { فسيعلمون من هو شرّ مكاناً وأضعفُ جنداً } ، أي فسيظهر أن ما كان فيه الكفرة من النعمة والعزّة هو أقلّ مما كان عليه المسلمون من الشظف والضعف باعتبار المآلين ، إذ كان مآل الكفرة العذاب ومَآل المؤمنين السلامة من العذاب وبعدُ فللمؤمنين الثواب .
والباقيات الصالحات : صفتان لمحذوف معلوم من المقام ، أي الأعمال الباقي نعيمها وخيرها ، والصالحات لأصحابها هي خير عند الله من نعمة النجاة من العذاب . وقد تقدّم وجه تقديم الباقيات على الصالحات عند الكلام على نظيره في أثناء سورة الكهف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.