إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدٗىۗ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٞ مَّرَدًّا} (76)

{ وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى } كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان حال المهتدين إثرَ بيانِ حال الضالين ، وقيل : عطفٌ على فليمدُدْ لأنه في معنى الخبر حسبما عرفته كأنه قيل : مَن كان في الضلالة يمُده الله ويزيد المهتدين هدايةً كقوله تعالى : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى } وقيل : عطفٌ على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهالَ الكافر وتمتيعَه بالحياة ليس لفضله عقّب ذلك ببيان أن قصورَ حظّ المؤمنِ منها ليس لنقصه ، بل لأنه تعالى أراد به ما هو خيرٌ من ذلك وقوله تعالى : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ } على تقديرَي الاستئنافِ والعطف كلامٌ مستأنفٌ وارد من جهته تعالى لبيان فضل أعمالِ المهتدين غيرُ داخل في حيز الكلام الملقّن لقوله تعالى : { عِندَ رَبّكَ } أي الطاعات التي تبقى فوائدُها وتدوم عوائدُها ومن جملتها ما قيل من الصلوات الخمس ، وما قيل من قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خيرٌ عند الله تعالى ، والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره لتشريفه عليه السلام { ثَوَاباً } أي عائدةً مما يَتمتّع به الكفرةُ من النعم المُخدَجةِ{[531]} الفانية التي يفتخرون بها لاسيما ومآلُها النعيمُ المقيمُ ، ومآلُ هذه الحسرةِ السرمدية والعذاب الأليم كما أشير إليه بقوله تعالى : { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } أي مرِجعاً وعاقبةً ، وتكريرُ الخيرِ لمزيد الاعتناءِ ببيان الخيريةِ وتأكيدٌ لها وفي التفصيل مع أن ما للكفرة بمعزل من أن يكون له خيريّةٌ في العاقبة تهكّمٌ بهم .


[531]:نعمة مخدجة: ناقصة. ولعل نقصها متأت من كونها فانية.