الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدٗىۗ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٞ مَّرَدًّا} (76)

قوله تعالى ذكره : { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى }[ 77 ] إلى قوله { وياتينا فردا }[ 81 ] .

أي : ويزيد الله المؤمنين هدى ، لأنهم يؤمنون بكل ما أنزل إليهم من الفرائض ، ويصدقون بها ، ويعملون بها ، فهم في زيادة إيمان{[44632]} وهذا مثل قوله تعالى : { أيكم زادته هذه إيمانا } . . . {[44633]}الآية .

وقيل{[44634]} : يزيدهم هدى بإيمانهم بالناسخ والمنسوخ .

وقيل{[44635]} : هو زيادة في اليقين بجعل جزائهم في الدنيا أن يزيدهم في يقينهم هدى .

ثم قال تعالى : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا }[ 77 ] .

يعني : الأعمال الصالحات هي خير عند ربك جزاء لأهلها .

{ وخير مردا } عليهم{[44636]} من مقامات هؤلاء المشركين في أنديتهم ، وافتخارهم بها في الدنيا . وقد تقدم ذكر الباقيات الصالحات ، واختلاف العلماء في معناها{[44637]} في ( الكهف ) .

وقد قيل : ( الباقيات الصالحات ) الإيمان والأعمال الصالحة وسماها باقية{[44638]} ، لأنها تنفع أهلها في الدنيا والآخرة ولا تبطل كأعمال الكفار الذين لا يريدون بها ما عند الله .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم فأخذ عودا يابسا فحط ورقه ، ثم قال{[44639]} : إن لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله يحططن الخطايا كما تحط ورق الشجر الريح ، خذهن يا أبا الدرداء{[44640]} قبل أن يحال{[44641]} بينك وبينهن ، هن{[44642]} الباقيات الصالحات ، وهن من كنوز الجنة{[44643]} . فكان أبو الدرداء ، إذا ذكر هذا الحديث قال : لأهللن الله ، ولأكبرن الله ، ولأسبحن الله حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون .

وإنما سميت هذه الكلمات بالباقيات{[44644]} الصالحات لأنها تبقى لأهلها{[44645]} حتى يردوا عليها في الجنة .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خذوا جنتكم خذوا جنتكم{[44646]} " فقالوا{[44647]} : يا رسول الله ، أمن عدو قد حضر ؟ قال : " لا ، ولكن من النار . قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومنجيات ، هن{[44648]} الباقيات الصالحات{[44649]} " .


[44632]:ز: الإيمان.
[44633]:التوبة آية 125.
[44634]:وهو قول الفراء في معاني القرآن 2/171 والزجاج في معانيه 3/344.
[44635]:معاني الزجاج 3/344.
[44636]:ز: لأهلها.
[44637]:ز: معانيها.
[44638]:ز: باقيات.
[44639]:ز: فقال مكان ثم قال.
[44640]:هو أبو الدرداء، واسمه عويمر بن عامر بن زيد بن قيس، حكيم هذه الأمة تأخر إسلامه إلى يوم بدر، ثم شهد أحدا، (ت 32 هـ). انظر: ترجمته في طبقات ابن خياط: 95 والرياض المستطابة: 217 وتذكرة الحفاظ 1/24 ومعرفة القراء الكبار 1/40.
[44641]:ز: أن يحول بينك وبينهن الموت.
[44642]:ز: هذه.
[44643]:انظر: الحديث في الموطأ 1/211 (كتاب القرآن)، ومسند أحمد 3/75 بألفاظ مختلفة.
[44644]:ز: الباقيات بإسقاط الباء.
[44645]:لأهلها سقطت من ز.
[44646]:(خذوا جنتكم) الثانية سقطت من ز.
[44647]:ز: قالوا.
[44648]:ز: وهن.
[44649]:الحديث، في مجمع الزوائد 10/89 ومستدرك الحاكم 1/541 والمعجم الصغير 1/145 وكنز العمال (رقم 44326) والترغيب والترهيب 2/432.