البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدٗىۗ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٞ مَّرَدًّا} (76)

ولما ذكر إمداد الضال في ضلالته وارتباكه في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذلك بزيادة هدى للمهتدي وبذكر { الباقيات } التي هي بدل من تنعمهم في الدنيا الذي يضمحل ولا يثبت .

و { مرداً } معناه مرجعاً وتقدم تفسير { الباقيات الصالحات } في الكهف .

وقال الزمخشري : { يزيد } معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مداً ويمد له الرحمن { ويزيد } أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه ، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه انتهى .

ولا يصح أن يكون { ويزيد } معطوفاً على موضع { فليمدد } سواء كان دعاء أم خبراً بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت { من } موصولة أو في موضع الجواب إن كانت { من } شرطية ، وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ أو جملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على الخبر خبر ، والمعطوف على جملة الجزاء جزاء ، وإذا كانت أداة الشرط اسماً لا ظرفاً تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره أو ما يقوم مقامه ، وكذا في الجملة المعطوفة عليها .

وقال الزمخشري : هي { خير } { ثواباً } من مفاخرات الكفار { وخير مرداً } أي وخير مرجعاً وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد وهل يرد مكاني زيداً .

فإن قلت : كيف قيل خير ثواباً كان لمفاخراتهم ثواباً حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه ؟ قلت : كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم .

وقوله :

شجعاء جربها الذميل تلوكه*** أصلاً إذا راح المطي غراثاً

وقوله :

تحية بينهم ضرب وجيع***

ثم بنى عليه خير ثواباً وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار .

فإن قلت : فما وجه التفضيل في الخبر كان لمفاخرهم شركاء فيه ؟ قلت : هذا من وجيز كلامهم يقولون : الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده انتهى .