معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

قوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق } ، أي : لا تتجاوزوا الحد ، والغلو ، والتقصير ، كل واحد منهما مذموم في الدين ، وقوله : { غير الحق } ، أي : في دينكم المخالف للحق ، وذلك أنهم خالفوا الحق في دينهم ، ثم غلوا فيع بالإصرار عليه . قوله تعالى : { ولا تتبعوا أهواء قوم } ، والأهواء جمع الهوى ، وهو ما تدعو إليه شهوة النفس .

قوله تعالى : { قد ضلوا من قبل } ، يعني : رؤساء الضلالة في فريقي اليهود والنصارى ، والخطاب للذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم .

قوله تعالى : { وأضلوا كثيراً } ، يعني من اتبعهم على أهوائهم .

قوله تعالى : { وضلوا عن سواء السبيل } ، عن قصد الطريق ، أي : بالإضلال ، فالضلال الأول من الضلالة ، والثاني بإضلال من اتبعهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

{ 77 - 81 } { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ } أي : لا تتجاوزوا وتتعدوا الحق إلى الباطل ، وذلك كقولهم في المسيح ، ما تقدم حكايته عنهم .

وكغلوهم في بعض المشايخ ، اتباعا ل { أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ } أي : تقدم ضلالهم .

{ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا } من الناس بدعوتهم إياهم إلى الدين ، الذي هم عليه . { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } أي : قصد الطريق ، فجمعوا بين الضلال والإضلال ، وهؤلاء هم أئمة الضلال الذين حذر الله عنهم وعن اتباع أهوائهم المردية ، وآرائهم المضلة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق } أي غلوا باطلا فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أن تدعوا له الألوهية ، أو تضعوه فتزعموا أنه لغير رشدة . وقيل الخطاب للنصارى خاصة . { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل } يعني أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم في شريعتهم . { وأضلوا كثيرا } ممن شايعهم على بدعهم وضلالهم . { وضلوا عن سواء السبيل } عن قصد السبيل الذي هو الإسلام بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم لما كذبوه وبغوا عليه ، وقيل الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني إشارة إلى ضلالهم عما جاء به الشرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

ثم أمر تعالى نبيه محمداً أن ينهاهم عن الغلو في دينهم ، والغلو تجاوز الحد ، غلا السهم إذا تجاوز الغرض المقصود واستوفى سومه من الاطراد{[4647]} ، وتلك المسافة هي غلوته{[4648]} ، وكما كان قوله { لا تغلوا } بمعنى لا تقولوا ولا تلتزموا نصب { غير } وليس معنى هذه الآية جنبوا من دينكم الذي أنتم عليه الغلو ، وإنما معناه في دينكم الذي ينبغي أن يكون دينكم ، لأن كل إنسان فهو مطلوب بالدين الحق وحري أن يتبعه ويلتزمه ، وهذه المخاطبة هي للنصارى الذين غلوا في عيسى ، والقوم الذين نهي النصارى عن اتباع أهوائهم بنو إسرائيل ، ومعنى الآية لا تتبعوا أنتم أهواءكم كما اتبع أولئك أهواءهم ، فالمعنى لا تتبعوا طرائقهم ، والذي دعا إلى هذا التأويل أن النصارى في غلوهم ليسوا على هوى بني إسرائيل هم بالضد في الأقوال وإنما اجتمعوا في اتباع نوع الهوى ، فالآية بمنزلة قولك لمن تلومه على عوج ، هذه طريقة فلان ، تمثله بآخر قد اعوج نوعاً آخر من الاعوجاج وإن اختلفت نوازله ووصف تعالى اليهود بأنهم ضلوا قديماً وأضلوا كثيراً من أتباعهم ، ثم أكد الأمر بتكرار قوله تعالى : { وضلوا عن سواء السبيل } وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى يا أهل الكتاب من النصارى لا تتبعوا أهواء هؤلاء اليهود الذين ضلوا من قبل ، أي ضل أسلافهم وهم قبل مجيء محمد ، وأضلوا كثيراً من المنافقين وضلوا عن سواء السبيل الآن بعد وضوح الحق .


[4647]:- يقال: سام أي: مرّ، وسم الرياح مرّّها، وقال الأصمعي: السّوم: سرعة المرّ، فمعنى قول ابن عطية: "واستوفى سومه" أي: سرعة مروره، وقال غير الأصمعي: السّوم: سرعة المر مع قصد الصوب في السير (اللسان).
[4648]:- الغَلوة: قدر رمية بسهم، وقد تستعمل الغلوة في سباق الخيل، والغلوة: الغاية مقدار رمية. (اللسان).