إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

{ قُلْ يا أهل الكتاب } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى فريقي أهل الكتاب ، بطريق الالتفات على لسان النبي عليه الصلاة والسلام بعد إبطال مسلك كل منهما ، للمبالغة في زجرهم عما سلكوه من المسلك الباطل ، وإرشادهم إلى الأَمَم المِئْتاء{[184]} { لاَ تَغْلُوا في دِينِكُمْ } أي لا تتجاوزوا الحد ، وهو نهي للنصارى عن رفع عيسى عن رتبة الرسالة إلى ما تقوَّلوا في حقه من العظيمة ، ولليهود عن وضعهم له عليه السلام عن رتبته العلية إلى ما تقوَّلوا عليه من الكلمة الشنعاء ، وقيل : هو خاص بالنصارى كما في سورة النساء فذكَرَهم بعنوان أهلية الكتاب لتذكير أن الإنجيل أيضاً ينهاهم عن الغلو ، وقوله تعالى : { غَيْرَ الحق } نُصب على أنه نعتٌ لمصدر محذوف أي لا تغلوا في دينكم غلواً غيرَ الحق ، أي غلواً باطلاً ، أو حالٌ من ضمير الفاعل أي لا تغلوا مجاوزين الحق ، أو من دينكم أي لا تغلوا في دينكم حال كونه باطلاً ، وقيل : نُصب على الاستثناء المتصل ، وقيل : على المنقطع { وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ } هم أسلافهم وأئمتهم الذين ضلوا من الفريقين ، أو من النصارى على القولين قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام في شريعتهم . { وَأَضَلُّوا كَثِيراً } أي قوماً كثيراً ممن شايعهم في الزيغ والضلال ، أو إضلالاً كثيراً ، والمفعولُ محذوف { وَضَلُّوا } عند بعثةِ النبي عليه الصلاة والسلام وتوضيحِ مَحَجّةِ الحق وتبيين مناهجِ الإسلام { عَن سَوَاء السبيل } حين كذّبوه وحسبوه وحسدوه وبغَوْا عليه ، وقيل : الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني إلى ضلالِهم عما جاء به الشرع .


[184]:الأمم: القصد، والطريق البيّن. والمئتاء والميتاء: الطريق يسلكه كل أحد، وآخر الغاية حيث ينتهي مجرى الخيل في السباق. والمراد إرشادهم إلى الطريق الذي يسلكه كل أحد. وفي الحديث الشريف: «لولا أنه وعدٌ حق وقول صدق وطريق ميتاءٌ لحزنّا عليك أكثر ما حزنّا».