غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

70

ثم عاد إلى مخاطبة الفريقين فقال { يا أهل الكتاب لا تغلوا } والغلو مجاوزة حد الاعتدال وأنه شامل لطرفي الإفراط والتفريط وإن كان قد يخص بطرف الإفراط ويجعل مقابلاً للتقصير . ولعل المراد ههنا هو الأول فاليهود فرطوا فيه حيث نسبوه إلى الزنا والكذب ، والنصارى أفرطوا فيه حيث ادعوا فيه الإلهية . قال في الكشاف : قوله { غير الحق } صفة للمصدر أي غلوا غير الحق ، ولزمه القول بأن الغلو في الدين غلو ، إن حق وهو أن يبالغ في تقرير الحق وتوضيحه واستكشاف حقائقه ، وباطل وهو أن يتبع الشبهات على حسب الشهوات ، والثاني منهي عنه دون الأوّل ، وأقول : لما كان الغلو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز حدّه شابه ضدّه فكيف يتصوّر غلو حق ولّله در القائل :

كلا طرفي قصد الأمور ذميم *** . . .

فالأصوب أن يقال : انتصب { غير الحق } على أنه صفة قائمة مقام المصدر أي لا تغلوا غلواً كقوله : { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ البقرة :60 ] أي إفساداً وكقولهم : تعال جائياً وقم قائماً . ولو سلم أن المصدر محذوف كان { غير الحق } صفة مؤكدة مثل { نفخة واحدة } [ الحاقة :13 ] و " أمس الدابر " لا صفة مميزة فافهم { ولا تتبعوا أهواء قوم } هي المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة . قال الشعبي : ما ذكر الله تعالى لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه { ولا تتبع الهوى فيضلك } [ ص :26 ] { وما ينطق عن الهوى }[ النجم :3 ]

{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الجاثية :23 ] قال أبو عبيد : لم نجد للهوى موضعاً إلا في الشر . لا يقال فلان يهوى الخير إنما يقال إنما يقال يريد الخير ويحبه . وقيل : سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار . وقال رجل لابن عباس : الحمد لّله الذي جعل هواي على هواك . فقال ابن عباس : كل هوى ضلالة { قد ضلوا من قبل } يعني أئمتهم في النصرانية واليهودية قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم { وأضلوا كثيراً } ممن شايعهم على التثليث أو التفريط في شأن مريم وابنها { وضلوا عن سواء السبيل } عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فكذبوه . والغرض بيان استمرارهم على الضلال قديماً وحديثاً . وقيل : الضلال الأوّل عن الدين ، والضلال الثاني عن الجنة . وقيل : الضلال الثاني اعتقادهم في ذلك الإضلال أنه إرشاد إلى الحق .