ثم عاد إلى مخاطبة الفريقين فقال { يا أهل الكتاب لا تغلوا } والغلو مجاوزة حد الاعتدال وأنه شامل لطرفي الإفراط والتفريط وإن كان قد يخص بطرف الإفراط ويجعل مقابلاً للتقصير . ولعل المراد ههنا هو الأول فاليهود فرطوا فيه حيث نسبوه إلى الزنا والكذب ، والنصارى أفرطوا فيه حيث ادعوا فيه الإلهية . قال في الكشاف : قوله { غير الحق } صفة للمصدر أي غلوا غير الحق ، ولزمه القول بأن الغلو في الدين غلو ، إن حق وهو أن يبالغ في تقرير الحق وتوضيحه واستكشاف حقائقه ، وباطل وهو أن يتبع الشبهات على حسب الشهوات ، والثاني منهي عنه دون الأوّل ، وأقول : لما كان الغلو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز حدّه شابه ضدّه فكيف يتصوّر غلو حق ولّله در القائل :
كلا طرفي قصد الأمور ذميم *** . . .
فالأصوب أن يقال : انتصب { غير الحق } على أنه صفة قائمة مقام المصدر أي لا تغلوا غلواً كقوله : { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ البقرة :60 ] أي إفساداً وكقولهم : تعال جائياً وقم قائماً . ولو سلم أن المصدر محذوف كان { غير الحق } صفة مؤكدة مثل { نفخة واحدة } [ الحاقة :13 ] و " أمس الدابر " لا صفة مميزة فافهم { ولا تتبعوا أهواء قوم } هي المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة . قال الشعبي : ما ذكر الله تعالى لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه { ولا تتبع الهوى فيضلك } [ ص :26 ] { وما ينطق عن الهوى }[ النجم :3 ]
{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الجاثية :23 ] قال أبو عبيد : لم نجد للهوى موضعاً إلا في الشر . لا يقال فلان يهوى الخير إنما يقال إنما يقال يريد الخير ويحبه . وقيل : سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار . وقال رجل لابن عباس : الحمد لّله الذي جعل هواي على هواك . فقال ابن عباس : كل هوى ضلالة { قد ضلوا من قبل } يعني أئمتهم في النصرانية واليهودية قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم { وأضلوا كثيراً } ممن شايعهم على التثليث أو التفريط في شأن مريم وابنها { وضلوا عن سواء السبيل } عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فكذبوه . والغرض بيان استمرارهم على الضلال قديماً وحديثاً . وقيل : الضلال الأوّل عن الدين ، والضلال الثاني عن الجنة . وقيل : الضلال الثاني اعتقادهم في ذلك الإضلال أنه إرشاد إلى الحق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.