فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (77)

{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل 77 لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 كانوا لايتنا هون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 79 } .

{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم } لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن الغلو في دينهم ، وهو المجاوزة للحد كإثبات الألهية لعيسى كما يقوله النصارى أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود ، فإن كان ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب .

و { غير } منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غلوا غير غلو { الحق } وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم ، وقيل : إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع قال قتادة : لا تغلوا أي لا تبتدعوا ، عن ابن زيد قال : كان مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولدا .

{ ولا تتبعوا أهواء قوم } جمع هوى وهو ما تدعو شهوة النفس إليه ، قال الشعبي : ما ذكر الله تعالى الهوى في القرآن إلا وذمه ، وقال أبو عبيدة : لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر ، لأنه لا يقال فلان يهوي الخير إنما يقال فلان يحب الخير ويريده ، والخطاب لليهود والنصارى الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه من الضلالة بأهوائهم وهو المراد بقوله { قد ظلوا من قبل } أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها الصلاة والتحية ، والمراد أن أسلافهم ضلوا قبل البعثة بغلوهم في عيسى .

{ وأضلوا كثيرا } من الناس إذ ذاك { وضلوا } من بعد البعثة إما بأنفسهم أو جعل ضلال من أضلوه ضلالا لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم ، وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع وقيل الأول ضلالهم عن الإنجيل ، والثاني ضلالهم عن القرآن { عن سواء السبيل } أي عن طريق الحق .