وقوله : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } أي : بل قد كانوا أجسادًا يأكلون الطعام ، كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ } [ الفرقان : 20 ] أي : قد كانوا بشرا من البشر ، يأكلون ويشربون مثل الناس ، ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة ، وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئًا ، كما توهمه المشركون في قولهم : { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا } [ الفرقان : 7 ، 8 ] .
وقوله : { وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } أي : في الدنيا ، بل كانوا يعيشون ثم يموتون ، { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ } [ الأنبياء : 34 ] ، وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل ، تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكم{[19598]} في خلقه مما يأمر به وينهى عنه .
وقوله تعالى : { وما جعلناهم جسداً } قيل الجسد من الأشياء يقع على ما لا يتغذى ، ومنه قوله تعالى : { عجلاً جسداً }{[8200]} [ الأعراف : 148 ] . فمعنى هذا ما جعلناهم أجساداً لا تتغذى ، وقيل الجسد يعم المتغذي وغير المتغذي . والمعنى ما جعلناهم أجساداً وجعلناهم مع ذلك لا يأكلون الطعام كالجمادات أو الملائكة ، ف { جعلناهم جسداً } على التأويل الأول منفي ، وعلى الثاني موجب ، والنفي واقع على صفته . وقوله تعالى : { لا يأكلون الطعام } كناية عن الحدث ، ثم نفى عنهم الخلد لأنه من صفات القديم وكل محدث فغير خالد في دار الدنيا .
الجسد : الجسم الذي لا حياة فيه ، وهو يرادف الجثة . هذا قول المحققين من أيمة اللغة مثل أبي إسحاق الزجاج في تفسير قوله تعالى : { فأخرج لهم عجلاً جسدا } [ طه : 88 ] . وقد تقدم هناك ، ومنه قوله تعالى : { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } [ ص : 34 ] . قيل هو شِق غلام لا روح فيه ولدته إحدى نسائه ، أي ما جعلناهم أجراماً غير منبثة فيها الأرواح بحيث تنتفي عنهم صفات البشَر التي خاصتها أكل الطعام ، وهذا رد لما يقولونه { ما لهذا الرسول يأكل الطعام } [ الفرقان : 7 ] مع قولهم هنا { هل هذا إلا بشر مثلكم } [ الأنبياء : 3 ] .
وذكر الجسد يفيد التهكم بالمشركين لأنهم لما قالوا { ما لهذا الرسول يأكل الطعام } [ الفرقان : 7 ] ، وسألوا أن يأتي بما أرسل به الأولون كان مقتضى أقوالهم أن الرسل الأولين كانوا في صور الآدميين لكنهم لا يأكلون الطعام وأكل الطعام من لوازم الحياة ، فلزمهم لما قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام أن يكونوا قائلين بأن شأن الرسل أن يكونوا أجساداً بلا أرواح ، وهذا من السخافة بمكانة .
وأما قوله : { وما كانوا خالدين } فهو زيادة استدلال لتحقيق بشريتهم استدلالاً بما هو واقع من عدم كفاءة أولئك الرسل كما هو معلوم بالمشاهدة ، لقطع معاذير الضالين ، فإن زعموا أن قد كان الرسل الأولون مخالفين للبشر فماذا يصنعون في لحاق الفناء إياهم . فهذا وجه زيادة { وما كانوا خالدين } .
وأُتي في نفي الخلود عنهم بصيغة { ما كانوا } تحقيقاً لتمكن عدم الخلود منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.