الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ} (8)

قوله تعالى : " وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام " الضمير في " جعلناهم " للأنبياء ، أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب " وما كانوا خالدين " يريد لا يموتون وهذا جواب لقولهم : " ما هذا إلا بشر مثلكم " [ المؤمنون : 33 ] وقولهم : " ما لهذا الرسول يأكل الطعام " {[11226]} [ الفرقان : 7 ] . و " جسدا " اسم جنس ، ولهذا لم يقل أجسادا ، وقيل : لم يقل أجسادا ؛ لأنه أراد وما جعلنا كل واحد منهم جسدا . والجسد البدن ، تقول منه تجسد كما تقول من الجسم تجسم . والجسد أيضا الزعفران أو نحوه الصبغ ، وهو الدم أيضا ، قاله النابغة :

وما هُرِيقَ على الأنصاب من جَسَدِ{[11227]}

وقال الكلبي : والجسد هو المتجسد الذي فيه الروح يأكل ويشرب ، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسما وقال مجاهد : الجسد ما لا يأكل ولا يشرب ، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفسا ، ذكره الماوردي .


[11226]:راجع جـ 13 ص 4.
[11227]:صدر البيت: * فلا لعمر الذي مسحت كعبته * أقسم بالله أولا ثم بالدماء التي كانت تصب في الجاهلية على الأنصاب.