الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ} (8)

قوله : { لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } : في هذه الجملةِ وجهان ، أظهرُهما : أنَّها في محلِّ نصب نعتاً ل " جَسَداً " ، و " جَسَداً " مفردٌ يُراد به الجمعُ ، وهو على حذفِ مضافٍ أي : ذوي أجسادٍ غيرِ آكلينَ الطعامَ . وهذا رَدٌّ لقولِهم :

{ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } [ الفرقان : 7 ] . و " جعل " يجوز أن يكونَ بمعنى صَيَّر فيتعدَّى لاثنين ، ثانيهما " جسداً " ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى خلق وأنشأ فيتعدَّى لواحدٍ ، فيكون " جسداً " حالاً بتأويلِه بمشتقٍ أي : مُتَغَذِّيْنَ ؛ لأنَّ الجسدَ لا بُدَّ له من الغذاءِ .

وقال أبو البقاء : " إنَّ " لا يأكلون " حالٌ أخرى بعد " جَسَداً " إذا قلنا إنَّ " جعل " يتعدَّى لواحدٍ " . وفيه نَظَرٌ ، بل هي صفةٌ ل " جَسَداً " بالاعتبارين ، لا يليق المعنى إلاَّ به .