السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ} (8)

ولما بيّن تعالى أنه صلى الله عليه وسلم على سنة من مضى من الرسل في كونه رجلاً بيّن أنه على سنتهم في جميع الأوصاف التي حكم بها على البشر في العيش والموت ، فنبه على الأول بقوله تعالى : { وما جعلناهم } أي : الذين اخترنا بعثتهم إلى الناس ليأمروهم بأوامرنا { جسداً } أي : ذوي جسد ولحم ودم متصفين بأنهم { لا يأكلون الطعام } بل جعلناهم أجساداً يأكلون ويشربون ، وليس ذلك بمانع من إرسالهم .

فائدة : قال ابن فارس في المجمل وفي كتاب الخليل : إن الجسد لا يقال لغير الإنسان ، وتوحيد الجسد لإرادة الجنس كأنه قيل : ذوي ضرب من الأجساد ، أو على حذف المضاف ، أي : ذوي جسد كما مر ، أو تأويل الضمير لكل واحد ، وهو جسم ذو لون ، قال البيضاوي : ولذلك أي : ولكون الجسد جسماً ذا اللون لا يطلق على الماء والهواء ، وهو في الماء مبني على أنه لا لون له ، وإنما يتلون بلون ظرفه أو مقاله ؛ لأنه جسم شفاف ؛ لكن قال الإمام الرازي : بل له لون ويرى ، ومع ذلك لا يحجب عن رؤية ما وراءه ، ثم نبه على الثاني بقوله تعالى : { وما كانوا خالدين } أي : بأجسادهم ، بل ماتوا كما مات الناس قبلهم وبعدهم ، وإنما امتازوا عن الناس بما يأتيهم عن الله تعالى ورسولكم صلى الله عليه وسلم ليس بخالد ، فتربصوا كما أشار إليه ختم طه ، فإنه متربص بكم ، وأنتم عاصون الملك الذي اقترب حسابه لخلقه وهو مطيع له .