تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } قال بعضهم : ما جعلناهم{[12544]} أجسادا ، لا أرواح فيها ، لا يأكلون ، ولا يشربون . ولكن جعلناهم أجسادا فيها أرواح ، يأكلون ، ويشربون ، ويمشون في الأسواق .

وجائز أن يكون قوله : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } من نحو الملائكة والجن ، ولكن جعلناهم بشرا .

وحاصلة أنهم كانوا يطعنون الرسل بأشياء ؛ مرة قالوا : { أبعث الله بشرا رسولا } [ الإسراء : 94 ] ومرة طعنوا الرسل أنهم كانوا يأكلون الطعام ، ويشربون ، وينكحون ، ويمشون في الأسواق كغيرهم من الناس كقولهم : { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } [ الفرقان : 7 ] ونحوه . فألزمهم عز وجل وأخبرهم أن الرسل الذين كانوا من قبل كانوا يأكلون ، ويشربون ، ويمشون ، ويقضون حوائجهم حين{[12545]} قال : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين } في الدنيا ، وقال في آية أخرى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } [ الرعد : 38 ] .

فعلى ذلك هذا الرسول المبعوث إليكم هو كسائر الرسل الذين كانوا من قبل ؛ هو ممن يأكل ، ويشرب ، وينكح ، وهو رسول ، وإنه بشر كسائر البشر . وهو رسول الله . على هذا يخرج تأويل الآية .

وهذه الآية ترد على الباطنية قولهم ومذهبهم ، لأنهم يقولن : إن الرسالة لا تكون في الجوهر الكثيف الجسداني الذي يأكل ، ويشرب ، ويفنى ، ويبيد ، إنما يكون في الجوهر البسيط الذي لا يأكل ، ولا يشرب ، ولا يبيد ، ولا يفنى . فأخبر عز وجل أنه لم يجعلهم أجسادا{[12546]} ، لا يأكلون الطعام ، ولا يبيدون ، بل جعلهم أجسادا يأكلون ، ويموتون ، بقوله : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين } .


[12544]:في الأصل و م: جعلنا.
[12545]:في الأصل و م: حيث.
[12546]:في الأصل و م: جسدا.