محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ} (8)

ثم بين تعالى كون الرسل كسائر الناس ، في أحكام الطبيعة البشرية ، بقوله سبحانه :

{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } .

{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } أي جسدا مستغنيا عن الطعام ، بل محتاجا إلى ذلك لجبر ما فات بالتحليل كما قال تعالى : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } وفي هذا التعريف الرباني عن حال المرسل ، أكبر رادع لأولئك المنزوين عن الناس المتصيدين به قلوب الرعاع والعامة والحمقى ومن لا يزن عند ربه جناح بعوضة . إذ يرون تناول الطعام في المحافل وتكثير سواد الناس في المجامع والخروج للأسواق لقضاء الحاجات ، من أعظم الهوادم لصروح الاعتقاد فيهم . فتراهم يأنفون من شراء حوائجهم بأيديهم ، وهو السنة . ومن المشي بالأسواق . وهو المأذون فيه . ومن إجابة الدعوة ، وهي واجبة ، لأوهام في أنفسهم شيدوها . ومحافظة على السمعة حموا جانبها . فتبا لهم من قوم مبتدعين ، يعبدون قلوب الخلق ولا يعبدون الله . ويريدون حالة فوق ما عليه رسل الله . وما ذلك إلا لله . فما أجرأهم على منازعة الجبار ! وما أصبرهم على النار ! وقوله تعالى :

{ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } أي في الدنيا ، بل كانوا يعيشون ثم يموتون كما قال تعالى : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل . تنزل عليهم الملائكة بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه . وكونهم بشرات من تمام النعمة الإلهية . وذلك ليتمكن المرسل إليهم من الأخذ عنهم والانتفاع بهم . إذ الجنس أميل إلى الجنس .